"ثلاث ثوان فقط" .. هذا كل ما احتاجه المخترق لتوليد نسخة شبه تامة من صوت وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، واستخدامها في مراسلة وزراء خارجية ومسؤولين عبر تطبيق Signal، في واحدة من أخطر محاولات التزييف الصوتي باستخدام الذكاء الاصطناعي.
الواقعة التي أثارت استنفارا في الدوائر الدبلوماسية الأميركية، فتحت بابا واسعا من الأسئلة حول مستقبل الأمن السيبراني، وحدود التكنولوجيا، وخطر "الديب فايك" الذي صار أقرب من أي وقت مضى إلى غرف القرار.
عن هذا، تحدّثت لـ" أس بي أس عربي" المهندسة فاطمة حبلص، المختصة بالذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني، محذّرة من أن "استنساخ الأصوات لم يعد أمرا تجريبيا، بل تحوّل إلى سلاح ذكي لا يُرى… لكنه يصيب بدقة".
وقالت "انها واقعة تُثير قلقا كبيرا على المستوى الأمني والدولي ، وما لفت انتباهي تقنيا هو الدمج الذكي بين تقنيات الذكاء الاصطناعي وتطبيقات التشفير، مثل تطبيق Signal الذي يُستخدم بشكل واسع داخل الإدارة الأمريكية لتبادل الرسائل الخاصة والسرية ".
فاطمة حبلص: المشكلة ليست في الذكاء الاصطناعي بل بغياب التشريعات
واكد فاطمة حبلص أن هذه الحادثة "ليست مفاجأة للخبراء"، وأن التحذيرات من هذا النوع من الهجمات بدأت منذ سنوات، لكن ما زاد خطورتها الآن هو اندماجها مع تطبيقات التشفير مثل " Signal"، ما جعل التزييف يبدو أكثر واقعية وأصعب في الاكتشاف.
ومضت الى القول "المشكلة أن تسجيلات صوتية قصيرة لشخصيات عامة باتت كافية لتوليد نسخ صوتية دقيقة للغاية".
وعن اسباب هذا الاختراق الامني قالت حبلص "هناك أسباب تقنية وأمنية تفسر ذلك فالصوت المألوف له تأثير نفسي كبير، وحينما تسمع صوت وزير أو شخصية مرموقة، قد تستجيب تلقائيا دون التحقق الكافي".
الصوت سلاح التزييف لإيهام المتلقي بالثقة والهندسة الاجتماعية تقود المعركة
المشكلة، كما توضح حبلص، أن "التأثير النفسي لصوت مألوف قد يتفوق على أي بروتوكول أمني، خصوصا إذا كان المتلقي تحت ضغط أو في سياق رسمي سريع" مبينة ان "هذه ليست مجرد تكنولوجيا، بل هجمات مبنية على الهندسة الاجتماعية .. يستخدم فيها الصوت كسلاح لإيهام المتلقي بالثقة والانتماء".
واوضحت ان هذه الهجمات " قد تنجح خصوصا إذا ترافقت مع عناصر داعمة، مثل رسائل مفصلة أو معلومات تبدو منسقة".
العالم العربي ليس بمنأى عن تقنيات التزييف العميق والحل يبدأ بالتحقق المتعدد
وحين سألناها عن الأمثلة في العالم العربي، استحضرت حبلص استخدام تقنيات التزييف العميق في سياقات سياسية وطائفية، خاصة في العراق وسوريا ومصر وتونس، واوضحت انه " تم توظيف تقنيات الـ (ديب فايك) سياسيا لإشعال الفتن والتأثير على الرأي العام ، لكن هذه الظاهرة ليست محصورة في العالم العربي بل هي عالمية" ، مشيرة إلى أن "الخطر يتجاوز الحدود، لأن التلاعب بالصوت أو الصورة يمكن أن يُشعل فتنة أو يخلق سردية زائفة في ثوان".
وشددت على أن الحل يبدأ من "التحقق المتعدد"، وعدم الوثوق برسالة صوتية أو صورة واحدة مهما بدت مقنعة ومراجعة محتوى الرسالة والتأكد إن كان يتماشى مع السياق الطبيعي للعمل، مشيرة الى اهمية رفع الوعي والتدريب الأمني داخل المؤسسات على أدوات الكشف والتصدي.
فاطمة حبلص : البصمة الرقمية ضرورة .. وليست رفاهية
وعن مسؤولية شركات التقنية، ترى فاطمة أن "على هذه الشركات واجب أخلاقي وقانوني في تضمين أدوات أمان واضحة مثل البصمة الرقمية لكل محتوى مولّد بالذكاء الاصطناعي"، وتوضح أن هناك مشاريع لتطوير أدوات تظهر أن الصوت أو الصورة مزيفة .
ومضت الى القول "من الجانب القانوني، هناك جهود دولية متزايدة لوضع أطر تشريعية تُجبر هذه الشركات على تضمين هذه العلامات وتمنع إساءة استخدام هذه التقنيات في التضليل الإعلامي أو السياسي".
ولا تنكر فاطمة حبلص أن الذكاء الاصطناعي فتح آفاقا هائلة في مجالات عديدة من تحسين الرعاية الصحية، إلى تسريع اتخاذ القرار، إلى تخصيص الخدمات بدقة لكنها تُحذّر في المقابل من الانزلاق إلى فوضى تقنية إذا لم تُضبط الأطر القانونية والأخلاقية ، مؤكدة انه "يحمل في الوقت نفسه مخاطر كبيرة مثل انتهاك الخصوصية، والتزوير، والاعتماد المفرط عليه، وضعف الرقابة على قراراته".
وخلصت الى أن "الذكاء الاصطناعي ثورة تقنية واعدة، لكن لا بد من حوكمة رشيدة وتنظيم متوازن لتفادي الانفلات".
وأوضحت انه يتعين على الحكومات "تحديث القوانين بما يتماشى مع سرعة تطور الذكاء الاصطناعي، وعلى الشركات أن تطبق معايير أخلاقية صارمة وأن تتبنى نهجا مسؤولاً في تطوير هذه الأدوات".
وختمت بالتأكيد على أن هناك "حاجة إلى تعاون دولي بين الحكومات والشركات لتنسيق الجهود وتحديد ضوابط صارمة تمنع إساءة استخدام هذه التكنولوجيا".
يذكر ان منتحل شخصية ماركو روبيو اتصل بــ 3 وزراء خارجية وحاكم ولاية أميركية وعضو في الكونغرس، حسب مسؤولين حكوميين ووفقا لبرقية من وزارة الخارجية.
ولا تعرف السلطات الأميركية حتى الآن من يقف وراء محاولات انتحال الشخصية هذه، ولكنها تعتقد أن الجاني ربما كان يحاول التلاعب بمسؤولين حكوميين نافذين "بهدف الوصول إلى معلومات أو حسابات"، وفقا لبرقية أرسلها مكتب روبيو إلى موظفي وزارة الخارجية.
وقد حذر مكتب التحقيقات الفدرالي من وجود "جهات خبيثة" تنتحل صفة كبار المسؤولين الأميركيين في "حملة رسائل نصية وصوتية خبيثة مستمرة" تستهدف كبار القادة الحكوميين وجهات اتصالهم، معتمدة على رسائل صوتية مولدة بالذكاء الاصطناعي.
يمكنكم الاستماع للتقرير في التدوين الصوتي أعلاه.
