في ظل الظروف الصعبة التي عايشتها غزة خلال سنوات الحروب المتعاقبة، خرجت الدكتورة منى كسكين، جراحة الدماغ والأعصاب في مستشفى الشفاء، من قطاع غزة إلى أستراليا بعد حرب 7 أكتوبر. تحمل قصة الدكتورة منى بين طياتها مزيجًا من الألم، والإصرار، والأمل في حياة جديدة رغم البعد عن وطنها.
بدأت الدكتورة منى مسيرتها الطبية في عام 2000، متخصصة في جراحة المخ والأعصاب، وكانت على مدار السنوات حاضرة في أكثر الأوقات صعوبة داخل مستشفى الشفاء. ورغم الأوضاع المتوترة والحروب المتكررة، ظلّت ملتزمة بخدمة أهلها في غزة. لكنها اضطرت في نهاية المطاف لمغادرة القطاع بسبب تصاعد وتيرة العنف والتهديد المباشر على حياتها وحياة أسرتها، خاصة مع وجود أربعة أطفال.
تحكي عن تلك اللحظة الحاسمة فتقول:
اضطررت أن أغادر بيتي مع عائلتي يوم الثالث من الحرب. كان الخروج صعبًا للغاية، كنا نتوقع أن يتم استهدافنا في أي لحظة، لكن السلامة كانت أولوية.
وبعد رحلة شاقة، وصلت مع أسرتها إلى مدينة سيدني في مارس 2024، حيث استقرت، وبدأت تحاول بناء حياة جديدة بعيدًا عن بلدها.
رغم كل ما مرت به، لم تبتعد الدكتورة منى عن المجال الطبي. فهي اليوم تعمل في خدمة المجتمع، وتقود مجموعة دعم نفسي للوافدين الجدد، وتقدم المساعدة للعائلات الغزية في الاندماج بالمجتمع الأسترالي. في الوقت ذاته، تواصل العمل على معادلة شهاداتها الطبية، وتحضّر لامتحان الترخيص الطبي في أستراليا، بهدف العودة إلى ممارسة مهنتها كجراحة دماغ وأعصاب.
ورغم ارتباطها العميق بغزة، فإن فكرة العودة إليها لا تبدو قريبة، كما أوضحت قائلة:
أنا أتمنى أن تنتهي الحرب ويعود السلام، لكن لا أشعر بالأمان للعودة الآن. العودة ليست واردة في الوقت الحالي، ليس من أجلي فقط، بل من أجل أطفالي الذين يحتاجون إلى بيئة مستقرة وآمنة.
تتحدث الدكتورة أيضًا عن التحديات الهائلة التي يواجهها القطاع الصحي في غزة، وتقول إن مغادرة الأطباء لم تكن خيارًا مريحًا، بل كانت نتيجة خطر حقيقي على حياتهم، خاصة بعد استهداف أكثر من 500 طبيب. وتشير إلى أن إعادة بناء القطاع الصحي بعد كل هذا الدمار ستحتاج إلى سنوات طويلة، وجهود دولية جادة.
تجربة الدكتورة منى تعكس جانبًا إنسانيًا عميقًا من قصص المهنيين الذين اضطروا إلى مغادرة أوطانهم، لكنها أيضًا قصة قوة وإرادة. ورغم ما فقدته، لا تزال تؤمن بقدرتها على العطاء وبناء مستقبل جديد، دون أن تغفل عن دعواتها اليومية لسلام طال انتظاره.
تجدر الإشارة إلى أن الهجوم الذي شنّته حركة حماس في السابع من تشرين الأول/أكتوبر عام ألفين وثلاثة وعشرين، كان الشرارة التي فجّرت التصعيد الحالي في الصراع بين إسرائيل وغزة. هذا الهجوم أسفر عن مقتل نحو ألف ومئتي إسرائيلي وأسر حوالي مئتين وخمسين آخرين، ولا يزال نحو خمسين شخصًا في عداد المفقودين، ويُعتقد أن حوالي عشرين منهم لا يزالون على قيد الحياة. ومنذ ذلك الهجوم وما تبعه من عمليات عسكرية إسرائيلية في غزة، أعلنت وزارة الصحة في غزة في تقريرها الصادر بتاريخ الرابع والعشرين من أيلول/سبتمبر عام ألفين وخمسة وعشرين، أن عدد القتلى الفلسطينيين بلغ ستة وستين ألفًا وأربعمئة وستة عشر شخصًا. وفي المقابل، تشير وزارة الخارجية الإسرائيلية إلى أن عدد القتلى الإسرائيليين منذ بداية الحرب قد وصل إلى ألف وتسعمئة وثلاثة وثمانين شخصًا