بأغلبية 142 دولة ومعارضة 10 وامتناع 12 عن التصويت، اعلنت رئيسة الجمعية العامة للامم المتحدة أنالينا بيربوك اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة "إعلان نيويورك" ليحدد "خطوات ملموسة ومحددة زمنيا ولا رجعة فيها" نحو حل الدولتين بين إسرائيل والفلسطينيين، وذلك قبيل اجتماع أممي لقادة العالم على هامش اجتماعات الدورة الـ79 للجمعية العامة.
ما هو "إعلان نيويورك"؟
الإعلان الذي يتألف من 7 صفحات، هو مبادرة فرنسة سعودية لإحياء فكرة حل الدولتين في ضوء التطورات التي يشهدها الشرق الأوسط ويعد ثمرة مؤتمر دولي انعقد في الأمم المتحدة في تموز الماضي استضافته السعودية وفرنسا وقاطعته الولايات المتحدة وإسرائيل.
ويعد الاعلان قراراً غير ملزم، ويحث على الاعتراف العالمي بفلسطين، واصفا ذلك بأنه "عنصر أساسي لا غنى عنه لتحقيق حل الدولتين".
ومن المتوقع أن تشهد أعمال قمة الجمعية العامة للأمم المتحدة في هذه الدورة إعلان نحو 10 دول اعترافها بدولة فلسطين، منها فرنسا وبريطانيا، وكندا، وبلجيكا، وأستراليا.
اعلان نيويورك خارطة طريق نحو المستقبل
ويلفت السفير الفرنسي الدائم لدى الامم المتحدة جيروم بونافونت إلى أن إعلان نيويورك "يضع خارطة طريق واحدة لتقديم حل الدولتين وذلك بفضل الالتزامات الرئيسية التي قطعتها السلطة الفلسطينية والدول العربية من أجل السلام والأمن للجميع في المنطقة".
وينطوي ذلك ، بحسب بونافونت، على وقف فوري لإطلاق النار في غزة، وإطلاق سراح جميع الأسرى المحتجزين هناك، وإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة وذات سيادة على حد سواء.
كما تدعو خارطة الطريق إلى نزع سلاح حركة حماس واستبعادها من الحكم في غزة، وتطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية، فضلا عن ضمانات الأمن الجماعي.
ردود الفعل
وعلق مندوب فلسطين لدى الأمم المتحدة رياض منصور على القرار وقال إن تأييده يعكس "توق الجميع تقريبا، المجتمع الدولي، لفتح الباب أمام خيار السلام".
ومن دون أن يذكر اسم إسرائيل، قال "إننا ندعو طرفا إلى صوت العقل، إلى صوت منطق التعامل السلمي مع هذه القضية، وللرسالة الساحقة التي تردد صداها في هذه الجمعية العامة اليوم".
كيف تلقت إسرائيل هذا الدعم الدولي لحل الدولتين؟
وقبل ساعات من التصويت، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة "لن تكون هناك دولة فلسطينية" ثم عاد السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة داني دانون ليدين القرار ووصفه بأنه "مسرحية" وأشار إلى أنه بتأييد هذا الإعلان فإن أعضاء الجمعية العامة يختارون تجاهل الحقيقة ويعصبون أعينهم
رد واشنطن .. الإعلان دعاية تقوض الجهود الدبلوماسية لإنهاء الصراع
رفضت الولايات المتحدة إعلان نيويورك ، وهاجمت عبر مبعوثتها الدائمة في الامم المتحدة مورغان أورتاغوس القرار ووصفته بأنه دعاية تقوض الجهود الدبلوماسية الجادة لإنهاء الصراع ووصفت القرار بأنه "هدية لحماس".
An annual review by the United Nations has found for the first time in decades, some of the poorest countries in the world are moving backwards. Credit: Getty Images
ويرى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أن المسألة المركزية للسلام في الشرق الأوسط هي تنفيذ حل الدولتين، حيث تعيش دولتان مستقلتان وذواتا سيادة وديمقراطيتان ، هما إسرائيل وفلسطين، جنبا إلى جنب في سلام وأمن.
مسار لا رجعة فيه
يحث الإعلان الدول على الاعتراف بدولة فلسطين وإقامة تلك الدولة على حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، واصفا ذلك بأنه عنصر أساسي لا غنى عنه لتحقيق حل الدولتين ، وفيما يرى ان اقامة الدولة الفلسطينية مسار لا رجعة فيه فأنه يدين الإجراءات الأحادية غير القانونية التي تشكل تهديدا وجوديا لتحقيق دولة فلسطين المستقلة.
بنود الإعلان
يدين الإعلان الهجمات التي ارتكبتها حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وهي إدانة نادرة من قبل الدول العربية لحماس.
كما يدين حصار غزة وتجويعها وما نتج عن ذلك من كارثة انسانية مدمرة وأزمة حماية فضلا عن ادانته للهجمات الإسرائيلية على المدنيين والبنية التحتية المدنية في القطاع
ورحب الإعلان بسياسة "دولة واحدة.. حكومة واحدة.. قانون واحد.. سلاح واحد" التي أعلنتها السلطة الفلسطينية.
ويدعو حركة حماس إلى إنهاء حكمها في غزة وتسليم أسلحتها إلى السلطة الفلسطينية، بمشاركة ودعم دوليين، بما يتماشى مع هدف إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة.
نشر بعثة دولية في غزة وحكم السلطة الفلسطينية
ويدعم إعلان نيويورك "نشر بعثة دولية بغزة بتفويض من مجلس الأمن لتحقيق الاستقرار " تعمل تحت رعاية الأمم المتحدة لحماية المدنيين الفلسطينيين ودعم نقل الأمن إلى السلطة الفلسطينية حيث يقدم الاعلان تصورا مفاده ان أن تحكم السلطة الفلسطينية وتسيطر على جميع الأراضي الفلسطينية، مع إنشاء لجنة إدارية انتقالية على الفور تحت مظلتها بعد وقف إطلاق النار في غزة .
ويؤكد على توفير ضمانات أمنية لفلسطين وإسرائيل "بما في ذلك مراقبة وقف إطلاق النار واتفاق سلام مستقبلي".
القيم والمبادئ الأساسية
وأعاد الإعلان التأكيد على الالتزام بالقانون الدولي والقانون الإنساني وحقوق الإنسان كمرجعية أساسية.
وشدد على رفض أي تغييرات ديموغرافية أو عمليات نقل قسري للسكان الفلسطينيين ، كما أكد على احترام الوضع القانوني للمواقع المقدسة، وضمان سيادة دولة فلسطين المستقلة، مع تعزيز مبادئ الاستقرار والتنمية والديمقراطية في المؤسسات الفلسطينية.
كما دعا إلى توحيد الضفة الغربية وغزة تحت إدارة فلسطينية واحدة، وإنشاء لجنة انتقالية لفترة محدودة تعمل تحت مظلة السلطة الفلسطينية.
تعزيز الحوار والسلام المجتمعي
اعلان نيويورك ركز أيضاً على أهمية مواجهة خطاب الكراهية والتحريض عبر التعليم والإعلام، ودعم الحوار بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وضمان حرية الإعلام وحماية الصحافيين، إضافة إلى دعم مبادرات المصالحة الفلسطينية الداخلية.
واقترحت الوثيقة إنشاء "حزمة دعم السلام" لتعزيز التكامل الاقتصادي الإقليمي بعد تنفيذ حل الدولتين، وتطوير هيكل أمني إقليمي شامل، فضلاً عن تشكيل آلية متابعة دولية، لضمان تنفيذ الخطوات المتفق عليها وحشد الدعم العالمي للتسوية السلمية.
ملحق إعلان نيويورك"
وجاء "ملحق إعلان نيويورك" الذي جرى إقراره، الجمعة، كخارطة طريق ذات خطوات عملية ، إذ شدد الملحق على ضرورة التوصل إلى وقف فوري ودائم لإطلاق النار في قطاع غزة، وإطلاق سراح الرهائن، وانسحاب القوات الإسرائيلية بشكل كامل، بالتوازي مع دعم جهود الوساطة التي تقودها مصر، وقطر، والولايات المتحدة.
كما دعا إلى توحيد الضفة الغربية وغزة تحت إدارة فلسطينية واحدة، وإنشاء لجنة انتقالية لفترة محدودة تعمل تحت مظلة السلطة الفلسطينية.
وطالبت الوثيقة المجتمع الدولي بتأمين وصول المساعدات الإنسانية دون قيود، وإلزام إسرائيل بفتح المعابر، وتسهيل دخول المواد الغذائية والطبية، إضافة إلى إعادة الكهرباء، والمياه، والخدمات الأساسية.
كما اقترحت دعم خطة إعادة الإعمار التي تقودها جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، والمشاركة في مؤتمر القاهرة لحشد التمويل اللازم لذلك.
إدارة ترامب .. وفكرة حل الدولتين
دعمت الولايات المتحدة تاريخيا حل الدولتين باعتباره أفضل طريق لتحقيق سلام دائم، ودعمت مفاوضات مثل اتفاقات أوسلو عام 1993 وقمة كامب ديفيد عام 2000.
ومع ذلك، عارضت واشنطن بشكل عام الاعتراف الأحادي الجانب بالدولة الفلسطينية، مؤكدة ان ذلك يجب أن يتم من خلال مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، بيد أن واشنطن تعترف بالسلطة الفلسطينية كهيئة تمثيلية للشعب الفلسطيني.
ولا يقدم دونالد ترامب موقفا ثابتا وواضحا من الدولة الفلسطينية ، حيث تحول من حل الدولتين المشروط في تصوره لصفقة القرن إبان فترة حكمه الأولى، إلى معارضة إقامة دولة عقب هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وصولا لاقتراح استيلاء الولايات المتحدة على قطاع غزة وإعادة تطويره مسوقا لما وصفه ببناء " ريفييرا الشرق الأوسط" لكنه وعندما يُسأل عن رأيه في إقامة دولتين، يرد غالبا بالقول إنه "سيدعم كل ما يقود إلى السلام".
ورحّب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة "إعلان نيويورك"، واعتبره خطوة في "طريق لا رجعة فيه نحو السلام".
ويأتي التصويت قبل أيام قليلة من انعقاد قمة حول القضية الفلسطينية ستتشارك باريس والرياض في رئاستها في 22 سبتمبر (أيلول) في الأمم المتحدة، وسبق أن وعد ماكرون باعتراف بلاده بالدولة الفلسطينية خلالها.
