بعد 35 عامًا في عالم الأعمال أبو الحارث ينصح: لا تشارك أحدًا ولو كان أخاك

محمد العمري مالك شركة البشير للتعمير في  ولاية فيكتوريا.JPG

محمد العمري مالك شركة البشير للتعمير في ولاية فيكتوريا

حين تسير بنا الحياة إلى طرق لم نخطط لها، قد تكتب الصدفة أقداراً لم نتخيلها. هذا بالضبط ما حدث مع محمد إبراهيم العمري – أبو الحارث، الذي بدأت حياته بحّاراً يجوب الموانئ، وانتهت به الرحلة إلى أن يكون مقاولاً ناجحاً ومؤسساً للجمعية الأردنية الأسترالية في فيكتوريا.


للاستماع إلى أحدث التقارير الصوتية والبودكاست، اضغطوا على الرابط التالي.

منذ شبابه، أحب محمد البحر. بعد الثانوية، سافر إلى يوغسلافيا السابقة، ليدرس المواصلات البحرية في جامعة "زاغرب" بمدينة رييكا الكرواتية. أربع سنوات صعبة بلغة وثقافة جديدة، لكنها منحته شهادة ضابط بحري، فتحت له أبواب العمل على متن البواخر اليونانية، والإيطالية، والأردنية، والإماراتية. حياة عامرة بالتنقّل بين الموانئ، بين الشوق للأهل ومتعة السفر، حتى جاء يوم غيّر مجرى حياته.

صدفة على شاطئ أستراليا

في أكتوبر 1995، كانت باخرة لشركة أردنية راسية في ميناء "تاونسفيل" بولاية كوينزلاند. هناك اجتمع محمد مع صديقيه وزميلي دراسته، إبراهيم التميمي وخليل الرويان – رحمهما الله – ليصنعوا قراراً مصيرياً: ترك السفينة وبدء حياة جديدة في أستراليا.
يقول محمد:
"رفضت في البداية، كنت متزوجاً ولديّ ثلاث بنات وزوجتي حامل بالرابعة. لكن القدر غلبني، ووافقت على البقاء معهم، على أن تكون سنة واحدة فقط. لكن تلك السنة امتدت لربع قرن.
ترك الثلاثة كل شيء خلفهم، حتى جوازات سفرهم، ونزلوا إلى مدينة بريزبن ومنها إلى سيدني، حيث استقبلتهم دائرة الهجرة الأسترالية بترحيب غير متوقع، منحتهم بطاقات مؤقتة و500 دولار لكل واحد، لتبدأ مغامرة الغربة.
Mohammad AlOmari - sailor on the ship.JPG
محمد العمري - البحار
الغربة والعمل الشاق

لم تكن البداية سهلة. عملوا في قطف البرتقال في مزارع صغيرة، يسكنون في "كرفانات" وخيم متواضعة، يواجهون الحر والبرد، ويشدّون أزر بعضهم. يصف محمد تلك الفترة قائلاً:
"الغربة كانت مُرّة، لكنها تهون بوجود أصدقاء تتقاسم معهم الخبز والهمّ والأمل."
لكن بعد شهور، بدأت الطرق تتفرّق. عاد إبراهيم التميمي إلى الأردن لظروف خاصة، ثم لحق به خليل الرويان بعد ثمانية أشهر. بقي محمد وحيداً، يعمل في وظيفتين نهاراً ومساءً، ويقود سيارة أجرة في عطلة نهاية الأسبوع. ورغم قسوة الوحدة، أحب أستراليا، وقرر أن يجلب عائلته يوماً ما.
العمري 5.JPG
محمد العمري بحار قادته الصدفة للهجرة لأستراليا ليصبح رجل أعمال في قطاع البناء
من المزارع إلى عالم البناء

خطوات محمد العملية كانت ثابتة. بدأ في مصنع للسيارات في سيدني، حيث أثبت نفسه بسرعة حتى أصبح مشرفاً على فريق خلال أسبوع. ثم انتقل إلى شركة أبواب ونوافذ في ملبورن، وهناك تعرّف على قطاع البناء الأسترالي.
بإصرار وشغف، خاض تجربته الأولى في بناء بيتين: سكن في أحدهما وباع الآخر. من هنا ولدت شركته الخاصة "البشير للمقاولات"، التي تحوّلت مع السنوات إلى اسم بارز في السوق، رغم المطبات والخسائر التي واجهها لاحقاً مع بعض الشراكات. لكنه يعلّق: "
تعلمت ألا أخلط الصداقة بالشراكة. النجاح يحتاج صبراً وعرقاً، ولا يقبل أنصاف الحلول."
Mohammed Al-Omari with his youngest daughter.JPG
محمد العمر مع أصغر بناته
من الغربة إلى المجتمع

الغربة صنعت عند محمد حاجة عميقة للدفء الإنساني. بدأ بتنظيم لقاءات أسبوعية في بيته كل يوم سبت، تجمع أبناء الجالية الأردنية حول مائدة بسيطة، يتبادلون الهموم والضحكات. هذه اللقاءات استمرت تسع سنوات، ومنها خرجت فكرة أكبر: تأسيس الجمعية الأردنية الأسترالية في فيكتوريا، التي أصبحت اليوم بيتاً للجالية، يحافظ على الهوية ويجمع القلوب.
يقول محمد:
"الجمعية الأردنية في فيكتوريا لم تكن مجرد تجمع، بل روحاً تعكس وحدتنا. هي الامتداد العائلي الذي افتقدناه في الغربة."
حكمة السنين

اليوم، وبعد أكثر من ربع قرن في أستراليا، ينظر محمد العمري إلى رحلته بعين الرضا. من البحر إلى المزارع، ومن المصانع إلى المقاولات، ومن الغربة إلى بناء مجتمع، يختصر سيرته في نصيحة للشباب:
"اعمل بنفسك، ولا تدخل الصداقة في الشراكة حتى لا تخسر الاثنين. الطريق طويل، لكنه يصنع مستقبلك، خطوة خطوة."
رحلة محمد العمري هي أكثر من قصة نجاح فردي؛ هي شهادة على كيف تصنع الصدفة قدراً جديداً، وكيف تتحوّل الغربة إلى مجتمع نابض بالحياة. إنها حكاية تعبٍ غدا مجداً، وقرار صغير بدّل مجرى العمر، وصداقات صنعت ذاكرة لا تموت.

استمعوا للقصة المشوقة بصوت رجل الأعمال محمد العمري بالضغط على زر الصوت في الأعلى.

هل أعجبكم المقال؟ استمعوا لبرنامج "أستراليا اليوم" من الاثنين إلى الجمعة من الساعة الثالثة بعد الظهر إلى السادسة مساءً بتوقيت الساحل الشرقي لأستراليا عبر الراديو الرقمي وتطبيق Radio SBS المتاح مجاناً على أبل وأندرويد.

أكملوا الحوار عبر حساباتنا على فيسبوك وانستغرام.

اشتركوا في قناة SBS Arabic على يوتيوب لتشاهدوا أحدث القصص والأخبار الأسترالية.

شارك

تحديثات بالبريد الإلكتروني من أس بي أس عربي

.سجل بريدك الإلكتروني الآن لتصلك الأخبار من أس بي أس عربي باللغة العربية

باشتراكك في هذه الخدمة، أنت توافق على شروط الخدمة وسياسة الخصوصية الخاصة بـ "SBS" بما في ذلك تلقي تحديثات عبر البريد الإلكتروني من SBS

Download our apps
SBS Audio
SBS On Demand

Listen to our podcasts
Independent news and stories connecting you to life in Australia and Arabic-speaking Australians.
Personal journeys of Arab-Australian migrants.
Get the latest with our exclusive in-language podcasts on your favourite podcast apps.

Watch on SBS
Arabic Collection

Arabic Collection

Watch SBS On Demand