في مدينة ملبورن، حيث تتقاطع الثقافات وتتجاور اللغات، برز اسم الفنان والنجار والمعلّم شكيل طارق الذي وُلد بعيداً عن العالم العربي ، لكنه اقترب من اللغة العربية أكثر من كثيرين.
وجد شِكيل طارق، وهو الأسترالي ذو الأصول البنجابية، بوابته إلى العربية عبر القرآن، قبل أن تتحوّل اللغة إلى هوية ثانية ومساحة يومية تحكم صوته وروحه وخياراته الفنية.
وقال طارق إن رحلته مع العربية بدأت حين "اقترب من الدين في سن العشرين"، مشيراً إلى أنه أدرك أن فهم النص الديني يستدعي أولاً فهم اللغة، ومضى الى القول "من هنا بدأ حب العربية واستمر حتى أصبح جزءاً ثابتاً في حياتي".
وأوضح طارق أن القرآن كان بوابته الأولى إلى لغة الضاد، ومضى إلى القول إن أحد أساتذته لاحظ ضعفه في الكتابة بالقلم العادي، فنصحه بتعلّم الخط العربي، وهو ما فتح أمامه عالماً جديداً.
وبيّن أنه تتلمذ على يد أساتذة من الصومال وماليزيا، مؤكداً أن موهبته في الرسم والغرافيتي منذ الصغر ساعدته على تحويل الخط إلى فن تشكيلي معاصر.
وأشار طارق إلى أن الحرف العربي بالنسبة له ليس كتابة، بل "بناء تشكيلي" يمكن نحته وتحويله إلى مجسمات ثلاثية الأبعاد.
وقال إن التجربة بدأت مع الخشب، قبل أن ينتقل إلى آلات النحت الحديثة، موضحاً أن التكنولوجيا سهّلت العمل ومنحته قدرة أكبر على تحويل الحروف إلى أشكال قوية ومتينة.
ولفت إلى أن شعور "السرور" يزداد لديه كلما عمل على قطعة خشب تجسّد حرفاً عربياً، معتبراً أن الحرف "يتحوّل بين يديه إلى كائن حيّ".
وبيّن أنه يستلهم أحياناً روح الأرابيسك والزخارف الإسلامية، لكنه يحرص على إعادة ابتكارها بأسلوب معاصر يجمع بين التراث والغرافيتي في مزيج بصري فريد.

وأكد طارق أن تدريسه للعربية في دار العلوم وجامعة CSU عزّز ارتباطه باللغة، مشيراً إلى أن دخوله عالم التعليم جاء مصادفة بعد أن طُلب منه تجربة التدريس.
وخلص إلى القول إن هناك "صلة قوية بين اللغة والخط"، معتبراً أن من يتعلم العربية يحتاج إلى إدراك جماليات الحرف كما يحتاج إلى فهم قواعده.
وأوضح أنه يشجّع طلابه من غير الناطقين بالعربية على البدء بحروف ذات منحنيات واضحة، لأنها تكشف جمال التكوين وتفتح الباب لتذوّق الخط سريعاً.

وفي حديثه عن ملبورن، أشار طارق إلى أن علاقته اليوم تتسع تدريجياً مع الجالية العربية، مؤكداً أن الفن "جسر يجمع المختلفين" ويخلق مساحة مشتركة بين الثقافات.
وبيّن أن الخط العربي، رغم اختلاف الخلفيات، يلقى قبولاً عاماً لأنه "فن لا يختلف عليه اثنان"، وهو ما يجعله وسيلة للتقارب والتواصل.
وعن تجربته الشخصية، ختم مؤكداً أن تعلم العربية في أستراليا ليس أمراً مستحيلاً، قائلاً "إذا أنا استطعت أن أتعلم العربية، فالآخر يستطيع أيضاً… الصعوبة تتحوّل مع الوقت إلى حب".



