في عالم تتزاحم فيه الألوان وتتنافس الخامات، يطلّ فنّ الفسيفساء"الموزاييك" كجوهرةٍ ضائعة من زمن بعيد؛ فنّ يبدو بسيطاً لأول وهلة؛ قطع صغيرة من زجاج أو حجارة. لكنها حين تتجاور، وتتعانق، تتحول إلى لوحة نابضة، تشعّ بروح صانعها.
حين تكشف الموهبة عن سرّها
لم يولد عماد فناناً. فقد تخرّج مهندساً مدنياً من جامعة دمشق، وسافر لاحقاً إلى الإمارات ثم قطر، حيث انغمس في مشاريع ضخمة ومسؤوليات لا تنتهي. غير أنّ صوتاً خافتاً ظلّ يتردّد في داخله؛ صوت الفنّ الذي رافقه منذ الطفولة، إنه فنّ الموزاييك، أو "الفُسيفساء" كما يسميه البعض.
عاد إلى سوريا لفترة قصيرة، وهناك حدث التحوّل. عمل مع شركة متخصّصة بالموزاييك، وبدأ يقدّم لوحات للكنائس والمساجد. وفي تلك اللحظة أدرك أن الأمر ليس هواية، بل قدرٌ يتكشف، وأن يديه تحملان ما يمكن أن يصنع الدهشة.
إلى أستراليا: بداية الطريق نحو الضوء
عام 2015، حطّ عماد رحاله في سيدني. عمل مديراً للمشاريع في شركة هندسية، لكن شغفه القديم ظلّ يطرق أبوابه بإصرار حتى فتحها أخيراً في نهاية عام 2018.
بدأ بخطوات صغيرة يصفها بقوله:
صنعت لوحات للأصدقاء، ومنشورات بسيطة على "فيسبوك، ثم مشاركة في معارض للجالية. كان الإعجاب يتزايد، والاسم أخذ يلمع شيئاً فشيئاً.

أحد منتجات الموزايييك من أعمال عماد مريود Source: Supplied / supplied: عماد مريود
سرّ الموزاييك الروح التي لا تتغير
ما الذي يجعل الموزاييك فنّاً فريداً؟ يسأل الناس هذا السؤال كثيراً، لكن عماد يجيب ببساطة تُشبه الفن نفسه:
في لوحات صنعتها تحتوي 7000قطعة، وقد تحتاج سبعين ساعة عمل. ويؤكد عماد أن ما يميز الفسيفساء أو الموزاييك أنه لا يتغير مع الزمن، ويحمل بعضًا من روح الفنان، لأنه يضع كل حبّة بشغف وحب .
ففي كل قطعة صغيرة شعور، وفي كل لون نبرة، وفي كل لوحة حكاية طويلة تُروى بلا كلمات. المواد متنوعة: زجاج، سيراميك، رخام، حجر طبيعي، وحتى قطع معاد تدويرها. تُقصّ بدقة، تُرتّب واحدة بعد الأخرى، ثم تُملأ الفراغات بينها ليولد الشكل النهائي.

المهندس عماد مريود يضحي بالهندسة في سبيل فن الفسيفساء Credit: عماد مريود
قد يظن البعض أن فن "الموزاييك" لوحات فنية فقط، لكن الحقيقة تقول غير ذلك. فهو مادة إكساء تُستخدم في المسابح، الحمّامات، الأرضيات، وحتى الواجهات الخارجية. وقد تتحول آلاف القطع الصغيرة إلى جدار مسبح كامل، أو أرضية تُشبه سجادة شرقية، أو مدخل منزل يترك انطباعاً لا يمحى.
ولأن الفن لا يكتمل إلا بمشاركة الآخرين، بدأ عماد بتعليم "الموزاييك" عبر ورش عمل جذبت كثيراً من الأستراليين والعرب، وفتح باب التعاون مع فنانين آخرين ليعيد لهذا الفن مكانته الواسعة. يقول:
التميّز بهذا الفن ليس مهارة يد فقط، بل هو رؤية، وصبر، وقدرة على تحويل فكرة إلى قصة عبر القطع الصغيرة.
لوحة تُشبه الرحلة
عماد مريود لا يرسم بالفرشاة، بل بالحجر والزجاج. ولا يمزج الألوان على لوحة، بل يجمعها من قطع صغيرة يحيك بينها قصة جديدة.
من دمشق إلى سيدني حمل شغفه معه، وبنى في المهجر بيتاً واسعاً للإبداع. إنها رحلة رجل رأى العالم من خلال تفاصيل صغيرة، جمعها بحبّ، ليصنع منها فناً كبيراً.
استمعوا لتفاصيل رحلة الإبداع مع المهندس عماد مريود بالضغط على زر الصوت في الأعلى.


