على وقع تصريح أنتوني البنانيزي 'باستثناء السكان الاصليين، نحن كلّنا مهاجرون'، يوضع النموذج الاسترالي للتعدديّة الثقافية وركائزه تحت المجهر ليطرح إشكالية أعمق في مشهد غير مألوف في استراليا.
وزيرة الشؤون المتعددة الثقافات آن علي التي صرحت الأسبوع الماضي بأن هذا النوع من النشاط اليميني المتطرف، المبني على العنصرية والنزعة العرقية، لا مكان له في أستراليا الحديثة، تفخر بجذورها المصرية في قلب انتمائها لأستراليا وخوضها غمار الشأن العام في حقائب وزارية ثلاث، لتقرأ نبض الشارع الأسترالي بطريقة غير سطحية.
تحت شعار "مسيرة من أجل أستراليا"، حمل آلاف المتظاهرين المناهضين "الهجرة الجماعية" شعاراتهم فيما نظّمت مجموعات مناهضة للعنصرية مسيرات مضادة لتشهد سيدني على ثلاث مظاهرات شعبيّة اكبرها تلك التي حملت شعار " أعيدوهم إلى بلادهم" لترفع الصوت في عدة مدن كبرى تحت راية العلم الأسترالي، مطالبة بإنهاء ما يصفه منظموها بـ "الهجرة الجماعية"، ومُتهمة الحكومة بـ "ضعف القيادة والجبن السياسي" الذي غيّر أستراليا "بطريقة لم نوافق عليها أغلبنا".
"ليست استراليا"
تابعت آن علي الحركة الاحتجاجية في مشهد غير مألوف على الثقافة الأسترالية، متوقفة عند التحرك المناهض للهجرة لتؤكد انه لا يمثّل استراليا ويقتصر على الأقليّة اذ تقول:
هذه ليست استراليا، الأكثرية الساحقة تقبلك كمهاجر
نعتبر ان هذه المشاهد ليست غير مألوفة وتظهر بين آونة واخرى من اعمال الشغب في كرنولا الى استفتاء الصوت ما يكشف هشاشة التماسك المجتمعي، ولكن في قراءة واقعية تقول:
" من نزلوا الى الشارع لا يمثلون الأكثرية الساحقة، والأهم المعرفة ان هؤلاء الناس لا يمثلون استراليا".
تثني على موقف الحكومة العمالية الحاسم في هذا الشأن مؤكدة:
الحكومة العمالية تدين هذه التظاهرات وتصفها بالعنصرية
" لا نقبل كحكومة ان يكون هذا المشهد في استراليا ونقف مع المهاجرين بغض النظر من اين أتوا".
من أين أنتِ؟
آن علي التي هاجرت الى استراليا كطفلة في عمر السنتين مع والديها وشقيقتيها، تعتبر أن استراليا وطنها الثاني رغم فخرها بدمّها المصري.
هي التي تحتفي بجذورها، الا ان السؤال عن تلك الجذور او الخلفية الثقافية الذي يحمل دعوة ظاهرية للاحتفاء بالإرث الثقافي، قد يحمل في طيّاته عنصرية مبطنة تقول " انت لست استراليا اصيلًا".
تشارك تجربتها الشخصية دون تعميم قائلة:
هذا السؤال لا يحمل طابعًا سيئًا دائمًا، ولكن اذكر أنني سُئلت مرة 'من اين انتِ؟ فمن المؤكد أنك لست أسترالية’
"وكان ذلك في قلب في منطقه تحتفي بالتعددية في غرب استراليا".
النموذج الاسترالي للتعدديّة الثقافية
تعيد آن علي قراءة النموذج الاسترالي للتعدديّة الثقافية الذي يطرح علامة استفهام حول ركائزه وجوهره معتبرة ان هذا النموذج بقي عالقًا ولم يمض قدمًا منذ العام 1970 فيما استراليا الحديثة غير جامدة وعليها ان تحتضن المهاجرين من الجيل الثاني والثالث.
تطرح علامة استفهام حول مفهوم التعددية الثقافية الذي بقي عالقًا في الزمن فيما عليه مواكبة استراليا الحديثة اذ تقول:
على استراليا ان تنضج والتعددية أكثر من سياسة او كلمة، انها هويتنا كوطن
هي التي ترى أن الحركة المناهضة للهجرة لم تتوجّه الى المهاجرين من انجلترا، بل من مناطق وبلدان محددة، تطرح علامة استفهام:
" نعم هناك مشاكل وملفات عالقة من أزمة الاسكان الى الايجار وعلينا معالجتها بشكل مستقل، ولكن لمَ لوم المهاجرين، لمَ يوّجه إصبع اللوم عليهم؟".
تتابع متعجّبة:
لا يقولون نحن ضد الهجرة البريطانية، فهم يقصدون توجيه إصبع الاتّهام واللوم على المهاجرين الذين لا يشبهونهم وهذا مشهد عنصري
أزمة انتماء
أمام النموذج الرائد للتعددية الثقافيّة، يرى البعض أن هذه التعدّدية ليست سوى انعكاسًا لجزر معزولة متعددة جنبًا الى جنب ما قد ينعكس سلبًا في مفهوم الانتماء لأستراليا الوطن الثاني.
في هذا الإطار تقول علي:
"نقف امام الجيل الثاني اوالثالث الذي يشعر بعدم الانتماء وهذا ليس ذنبه وينقص الكثير لغرس شعور الانتماء لديه"،
" نحن نعمل وللمرة الاولى كوزارة الشؤون متعددة ثقافات من داخل الحكومة وعلينا ان نفكر كيف نخلق شعور الانتماء للجيل الثاني والثالث من المهاجرين".
تضع الاصبع على جرح الانتماء لأستراليا اذ تقول:
كيف لشاب اسمه محمد، مولود في استراليا كما والديه، الا يجد فرصة للعمل بسبب اسمه؟
وعن النزعة الإقصائية مع صعود اليمين المتطرّف، ما قد يعيد الى الواجهة إشكالية أعمق بذلك بكثير تتجذر بمفهوم الهوية الأسترالية تقول:
"انا مولودة في مصر، دمّي مصري، هاجرت في عمر السنتين، ولكن انا أسترالية ايضًا ومن اصول مصرية"،
" نغني مع بعض، ونفرح ونأكل مع بعض، ولكن عندما نتفوّه بكلمة فانتماؤنا يوضع تحت المساءلة".
تؤكد علي بدورها على كلام البانيزي اذ تقول:
الحقيقة أنك إن لم تكن من السكان الأصليين، فلابد أنك اتيت من مكان ما
ترى آن علي أن المهاجر، وان ينتمي الى استراليا اولًا، الا أنه لا يمكن أن يترك قضايا وطنه الأم خارجًا اذ تقول:
"اذكر انني كنت اتابع احداث الثورة في مصر حتى الصباح رغم انني هاجرت بعمر السنتين".
وتختتم قائلة:
الوطن الذي اخترتموه ووطنكم وهذا بلد مهاجرين والكل ينتمي الى استراليا
ما الذي تحتاجه استراليا لإعادة بناء مجتمع يعيش مع بعض وليس جنبًا الى جانب بعض في تعددية بعيدة عن جوهرها؟
الإجابة مع وزيرة الشؤون المتعددة الثقافات آن علي في الملف الصوتي أعلاه.
استمعوا لبرنامج "Good Morning Australia" من الاثنين إلى الجمعة من الساعة السادسة إلى التاسعة صباحا بتوقيت الساحل الشرقي لأستراليا عبر الراديو الرقمي وتطبيق SBS Audio المتاح مجاناً على أبل وأندرويد.وعلى القناة 304 التلفزيونية.