في أيار مايو من كل عام، تُطلق أستراليا حملة وطنية شاملة للتوعية بآفة العنف الأسري، وخصوصًا العنف الموجّه ضد النساء والأطفال. هذه المناسبة لا تقتصر على رفع الشعارات، بل تترافق مع فعاليات ومبادرات تمتد على مستوى البلاد، من وقفات الشموع إحياءً لضحايا العنف، إلى ورش العمل والمؤتمرات التي تهدف إلى تعزيز الوعي والدفع نحو تغيير مجتمعي حقيقي.
أرقام الضحايا تتحدث بصوت مرتفع يكشف عن مدى تعقيد المشهد وسوداويته، إذ تُقتل امرأة واحدة أسبوعيًا على يد شريكها أو شريك سابق، ما يؤكد أن العنف الأسري لم يعد ظاهرة معزولة، بل أزمة تتطلب مواجهة متعددة المستويات: قانونية، ثقافية، ومجتمعية.
وقد أعادت حادثة مروّعة وقعت مؤخرًا غرب مدينة بريزبن تسليط الضوء على هذه القضية المؤلمة، بعد مقتل شابة تبلغ من العمر 23 عامًا داخل منزلها. الشابة، التي استقرت حديثًا في المنطقة، لقيت حتفها، ووجّهت التهم إلى زوجها وشقيقه. التحقيقات لا تزال جارية، لكن الحادثة شكلت صدمة داخل المجتمع المحلي، ورسالة تذكير بأن الخطر أقرب مما نتصور.
في هذا السياق، تبرز أسماء حقوقية وقانونية كرّست حياتها للتصدي لهذه الظواهر. ومن أبرز هذه الشخصيات، الدكتورة ناهد فريتخ، المستشارة القانونية الفلسطينية الأسترالية التي جمعت في مسيرتها المهنية بين الإرث العروبي والتكوين الأكاديمي الغربي، وبين العمل الحقوقي المحلي والجهد المؤسسي العالمي.
الدكتورة ناهد حاصلة على درجة الدكتوراه في القانون الدستوري من جامعة نيو ساوث ويلز الأسترالية. لكنها قبل ذلك، شغلت منصب رئيسة دائرة المرأة والطفل في المجلس التشريعي الفلسطيني، حيث ساهمت في صياغة واحدة من أهم التشريعات في تاريخ الأراضي الفلسطينية: قانون الطفل الفلسطيني.

هذا التفاعل المباشر مع قضايا النساء لم يكن بالنسبة لها مجرد عمل مكتبي، بل معركة يومية ضد التهميش الاجتماعي، والصمت المؤسسي، والموروثات الثقافية التي تعيق العدالة.
في عام 2012، حصلت على منحة أكاديمية في أستراليا لاستكمال دراستها العليا: "حصلت على منحة في أستراليا لاستكمال درجة الدكتوراه في القانون الدستوري وكنت آمل العودة إلى وطني بعد إتمامها".
ما اكتشفته الدكتورة ناهد في أستراليا كان صادمًا، إذ تختلف طبيعة العنف الأسري هناك من حيث التعقيد والتداخل بين المؤسسات.
توضح قائلة: "في دولنا، العنف الأسري موجود وجرائم الشرف وعزل المرأة عن الحقوق المالية والاجتماعية، ولكن منتشر أكثر في المناطق الريفية ويعتمد على ثقافة المنطقة. في أستراليا، الموضوع أعمق وأكثر تعقيداً. التعاون والتوثيق بين المؤسسات الخاصة والحكومية غير كافٍ".
رغم التحديات، لم تكتفِ بإكمال دراستها، بل سخّرت معرفتها القانونية لتأسيس برامج مجتمعية ذات أثر مباشر. من خلال شراكتها مع المجلس العربي الأسترالي، طورت ونفّذت تدريبات لقادة المجتمعات في مناطق ـبانكستاون وفيرفيلد، ركّزت فيها على مفاهيم المساواة الجندرية، ومكافحة العنف الأسري، وتعزيز الوعي المجتمعي.
في نظر الدكتورة ناهد، لا تنبع العدالة فقط من التشريعات، بل من ثقافة البيت والمدرسة والحي. وهي تؤمن أن التغيير لا يأتي من قاعات المحاكم وحدها، بل من الأحاديث اليومية، ومن الاستماع لتجارب النساء، ومن العمل المجتمعي الجاد على كل المستويات.
تجربتها، الممتدة من شوارع القدس إلى ضواحي سيدني، تجعل منها نموذجًا نادرًا لامرأة لم تكتفِ بالتشخيص، بل مضت نحو الحلول، وقدّمت رؤى قانونية قابلة للتطبيق، وجعلت من القانون أداة تمكين لا أداة تقييد.
استمعوا إلى المزيد في الملف الصوتي أعلى الصفحة.
هل أعجبكم المقال؟ استمعوا لبرنامج "Good Morning Australia" من الاثنين إلى الجمعة من الساعة السادسة إلى التاسعة صباحا بتوقيت الساحل الشرقي لأستراليا عبر الراديو الرقمي وتطبيق SBS Audio المتاح مجاناً على أبل و أندرويد وعلى SBS On Demand.