واجه المهاجر الأسترالي العراقي يوحنا بيداويد رحلة هجرة صعبة سيراً على الأقدام خارجاً من العراق مُيممًا وجهه في 25 فبراير/شباط عام 1992 نحو تركيا، ومنها نحو أستراليا.
النقاط الرئيسية:
- يصف يوحنا نفسه بأنه عراقي شرقي في الصميم، كلداني من عصر نبوخذ نصر، مسيحي من زمن مار توما.
- يعجبه في الأستراليين صراحتهم و يصف الإعلام الأسترالي بأنه لا يرحم أحدًا.
- واجه صعوبة في التأقلم مع الحياة الاجتماعية في ملبورن لدرجة الإحباط، فهو اجتماعي بطبعة معجون بمخالطة الناس.
عشق يوحنا العراق، فهو ابنه الذي وُلد في قضاء زاخو عام 1962 وتربى في العاصمة بغداد. تخرج مهندساً كيميائياً من كلية الهندسة بجامعة بغداد في عام 1987.
يسرد يوحنا قصة هجرته لأس بي أس عربي24 قائلاً: "قرار الهجرة من العراق كان مدفوناً في العقل الباطن، فقد كنا في ذلك الوقت نعيش في سجن كبير، والبحث عن الحرية والفكر كانا هماً من همومي. وبمجرد أن جاءت الفرصة هاجرت، خاصة بعد دخول العراق إلى الكويت".
هاجر يوحنا بداويد خريج الهندسة الكيماوية من العراق بعمر 30 عاماً مع أخيه الصغير عدنان سيراً على الأقدام في رحلة شاقة مليئة بالصعاب برفقة 20 شخصاً في جو بارد قارس على مدى ستة أيام.
فقدوا في رحلة المسير تلك أشخاصاً لم يتحملوا عناء الرحلة ومصاعبها في أرض جبلية وعرة مليئة بالحجارة والألغام، حتى وصلوا إلى تركيا، فبقي من بقي في هذه الرحلة الصعبة هناك، بينما توجه آخرون إلى أستراليا.
يتذكر يوحنا جيداً الساعة وتاريخ اليوم الذي وطأت قدماه فيه مطار ملبورن "السابعة صباح يوم 19 آذار/مارس عام 1992 مع 22 شخصاً نزلوا من الطائرة في جو بارد مُحملين بالآمال في بلد المهجر الجديد".

خروج يوحنا مع مجموعة شباب من معسكر كنكال في تركيا Source: supplied:Youhanna Bedaweed
كانت أولى المفاجآت أن ملبورن مدينة صغيرة وادعة بمنازل ومبانٍ مستوية، وليس كما تصور هو أنها مدينة ذات مبان شاهقة ضخمة.
الأشهر الأولى في بداية رحلة الهجرة كانت سهلة بفضل الدعم الحكومي، لكن بمجرد أن بدأ بالاعتماد على النفس، جاءت أولى الصدمات من اللغة الإنجليزية التي اعتقد أنه يتقنها بحكم دراسته للهندسة الكيماوية في العراق، لكنها لم تكن كافية لشق طريق العمل.
وبدأ في دراسة اللغة من أول مسارها آملاً في شق طريق العمل المهني واستكماله في ملبورن، لكن الوضع كان صعباً.
كمهندس تصنيع عسكري في الجيش العراقي، توقع يوحنا أن يكون السوق مفتوحاً له، لكن الصعوبات توالت، أولاها أن أستراليا عام 1994 دخلت في أزمة بطالة عالية، وطلب أصدقاؤه منه استكمال التعليم للحصول على شهادة أسترالية.
وبالفعل، درس في كلية الهندسة في جامعة RMIT، لكن السوق عانده، فلم يتمكن من إيجاد وظيفة حتى ولو كمساعد مهندس، فاضطر للعمل مرحلياً كسائق أجرة، لكن الوضع لم يرق له، فبدأ العمل مع أخوته الأربعة في استثمار عائلي لقاعة حفلات في ملبورن كمشروع خاص ثم توجه نحو تجارة العقارات والإنشاءات.
عن ملبورن في رحلة البدايات وهو العراقي ابن الحياة المليئة بالاجتماعيات قال: "واجهت صعوبة بالغة في التأقلم مع الحياة الاجتماعية لدرجة الإحباط، فأنا معجون بالحياة الاجتماعية والتعامل مع الناس، فإذا لم أستطع رؤية الناس ومخالطتهم أشعر باليأس والإحباط".

يوحنا بداوييد مع العائلة Source: supplied:Youhanna Bedaweed
هذا الإرث كان مغروساً في شخصيته منذ كان في العراق بين أهله وأصدقائه، حيث كانوا يمتلكون محل تسجيلات، والناس أقدامهم لا تهدأ داخل المحل في ذلك الوقت.
لكن مع الوقت، تكيّف مع هدوء ملبورن والتعامل مع حياتها، خاصة مع هجرة كثير من عائلته إلى أستراليا، فبدأت الحياة الاجتماعية بالانتعاش.
يعشق يوحنا الفكر والثقافة، لذلك كان له إسهامات في بلاد المهجر، فأسس مجلات عدة في ملبورن، وعن ذلك يقول:" حس الكتابة موجود عندي منذ كنت في العراق، وأسست هذه المجلات في ملبورن لحاجة المجتمع إلى الحفاظ على هويته الثقافية".
عمل كعضو في هيئة تحرير مجلة "أور" التي كانت تصدرها جمعية الثقافة الكلدانية في فيكتوريا بين عامي 1997 و1998، ومجلة "أكد" التي كان يصدرها منتدى "أكد" الثقافي في عام 2003، ومجلة "نوهرا" التي كانت تصدرها كنيسة مريم العذراء حافظة الزروع بين عامي 1998 و2008، ومجلة "نوهرا دمدنحا" التي كانت تصدرها أبرشية مار توما للكلدان والآشوريين في أستراليا ونيوزلندا بين عامي 2010 و2013.
وهو حالياً عضو هيئة تحرير لمجلة "بابلون" التي تصدر في مدينة ملبورن منذ 2016.
كما كتب مقالات وأبحاثاً منشورة في مؤسسات إعلامية مثل جريدة التلغراف العربية، وجريدة العراق، وجريدة الفرات ومجلة الفكر المسيحي.
كما ألف بيداويد عدة كتب، وقام بكتابة مقالات متعددة المواضيع. كما شارك مع مجموعة من الأكاديميين العراقيين في تأسيس منتدى الأكاديميين العراقيين الأسترالي الذي ترأسه الدكتور رياض المهيدي لتذليل الصعاب أمام الطلبة العراقيين.

يوحنا مع أعضاء بلدية هيوم في ملبورن Source: supplied:Youhanna Bedaweed
وهو عضو نشط في كثير من أنشطة الجالية وهيئاتها في ملبورن وأستراليا.
عن الجالية العراقية يقول: "للأسف، هي منقسمة نتيجة الانقسامات الطائفية في العراق، وانتقل هذا المرض إلى أستراليا وإلى كثير من أبناء العراق في المهجر".
لهذا يتمنى أن ترجع الروح الوطنية إلى الشعب العراقي.
عن مشاعره بين العراق وأستراليا يقول:" أجد 75% من نفسي في العراق والباقي في أستراليا، فرغم أني عشت نصف عمري بين أستراليا والعراق، لكن بدأت الطفولة وتكونت الشخصية في العراق، فنشأة الصغر تحدد الاتجاهات، فأنا عراقي شرقي في الصميم، كلداني من عصر نبوخذ نصر ومسيحي من زمن مار توما".
وعما وجده في أستراليا ولا يزال ينقص العراق قال: "هذا السؤال يبكيني، فالعراق بلد الإرث والحضارات أصبح بلا مقاييس، فهل هذا العراق بلد أصل الحضارات المتجذر ينحدر هكذا إلى القعر؟!".
وهل ندم على الهجرة، قال:" لا، لم أندم، لأني هاجرت بحثاً عن الحرية ووجدتها".

يوحنا بداوييد يشارك في مناسبات الجالية Source: supplied:Youhanna Bedaweed
وينصح يوحنا المهاجرين الجدد بالعمل والجد لأن أستراليا بلد الخيرات بشرط الالتزام بالقانون.
وحول ما يعجبه في الأستراليين قال:" صراحتهم، فضلاً عن الإعلام الأسترالي الذي لا يرحم أحداً".
وما لا يعجبه في أستراليا، أوضح أن" الإعلام الاسترالي أحياناً يوجه اهتمامه لأشياء يراها لا تستحق التضخيم وبدون تقييم".
للاستماع لقصة هجرة الأسترالي العراقي يوحنا بداويد، يرجى الضغط على التدوين الصوتي في الأعلى.
يمكنكم أيضاً الاستماع لبرامجنا عبر هذا الرابط أو عبر تطبيق SBS Radio المتاح مجاناً على أبل وأندرويد.