يقول طرطق في مقدمة عمله إن الكتاب لم يكن مشروعًا فرديًا بقدر ما كان حوارًا مع الحياة نفسها. جلس ليروي، وجلس صديق ليسجل، وبين الحكاية والذاكرة وُلد الكتاب "ليكون مرجعًا للأجيال القادمة، كي يعرفوا كيف يحافظ الإنسان على هويته وهو يبني نفسه في وطن جديد".
طفولة معلّقة بين الغياب والحضور
لم تكن البدايات سهلة. فبعد سفر عائلته إلى أستراليا، بقي خليل طفلًا في أحضان جدّه في لبنان. هناك تشكلت أولى ملامح الوعي والانتماء، وكان الجدّ المعلم الأول والملاذ. يذكر طرطق تلك المرحلة بصوت يملؤه الامتنان: " كان لجدي والد والدتي وجدتي علي أفضال كبيرة، فقد أضطر والداي لتركي معهما وهاجرا إلى أستراليا، لتكوين حياة جديدة، ولم أنس فضلهما ما حييت"
خليل طرطق شاباً
لم تكن حياته محصورة في التجارة والعمل فقط؛ فقد حمل معه شغفًا بالموسيقى. شكل لقاؤه مع الفنان الكبير وديع الصافي محطة لا تُنسى في حياته. ففي إحدى الكنائس اللبنانية، غنّى معه ترتيلًا كنسيًا بقي أثره راسخًا في ذاكرة المكان. لاحقًا، أهداه الصافي عودًا نقش عليه إهداء شخصي، ليصبح العود قطعة من الذاكرة لا مجرد آلة موسيقية.
كانت تلك اللحظة، كما يعبّر عنها طرطق، درسًا في أن الفن قادر على توحيد القلوب مهما تباعدت الجغرافيا.
حين حضر الفنان وديع الصافي لأستراليا
في فرصة أخرى جمعته الصدفة بالأمير تشارلز خلال لقاء في سيدني. حديث بسيط عن لبنان، وسؤال من الأمير عن مدينة بعلبك، لكنه كان كافيًا ليعمّق إحساسه بأن للتراث اللبناني حضورًا عالميًا. بالنسبة له، كان ذلك الاعتراف امتدادًا لرحلة الذات التي لا تنسى جذورها أينما حلت.
خليل طرطق مع قلادة OAM نظير أعماله الجليلة في المجتمع
امتد نشاطه إلى المجال الاجتماعي والسياسي. بدأ مع حزب الأحرار، حيث خاض الانتخابات مرّتين، إيمانًا منه بأن السياسة مساحة لخدمة الناس وربط الجالية اللبنانية بالمجتمع الأسترالي الأكبر.
كان يرى أن "المهاجر الحقيقي هو من يحافظ على أصله ويضيف شيئًا لوطنه الجديد.
تنقل طرطق في مجالات التجارة والبناء وتأسيس مشاريع متنوعة، منها محلات التبغ و"ووكالات الأخبار". ورغم توسع أعماله، بقي قريبًا من الجاليات المسيحية والمسلمة، يعمل على توحيدها اجتماعيًا وثقافيًا، إيمانًا بأن قوة المهاجرين تكمن في تماسكهم.
"الحكاية"… أكثر من كتاب
اليوم، لا يقف خليل طرطق عند ما حققه، بل عند ما تركه من أثر. فكتابه الجديد ليس مجرد سرد لمراحل حياته، بل تأريخ لجيل كامل من المهاجرين الذين عبروا بين وطنين، عاشوا الاغتراب والأمل، وبنوا لأنفسهم جذورًا جديدة دون أن يقتلعوا جذورهم الأولى.
إن كتاب" خليل طرطق الحكاية" ليست سيرة رجل واحد… بل سيرة كل من حمل وطنين في قلبه.
استمعوا لتفاصيل أكثر عن مسيرة عطاء امتدت لمدة 66 عاماً بصوت الأستاذ خليل طرطق. بالضغط على زر الصوت في الأعلى.



