يترقّب لبنان قيامته المرجوة، لا من الأرض، بل من السماء، في الزيارة الحبرية الثالثة، لا بل الرابعة، لوطن هو رسالة أخوة وتعايش كما دعاه البابا القديس يوحنا بولس الثاني في زيارته إلى لبنان عام 1997وهو يبحث عن فجره الخاص بعد جراح الحرب الأهلية.
في محطة تاريخية مرتقبة، يستعد لبنان لاستقبال قداسة البابا لاوون الرابع عشر من 30 تشرين الثاني/نوفمبر إلى 2 كانون الأول/ديسمبر، في أول زيارة رسولية له إلى الخارج منذ انتخابه، وقد اختار "وطن الرسالة" ليكون محطته الأولى في الشرق الأوسط، في خطوة تعبّر عن محبة أبوية واحتضان روحي لشعب صامد في وجه التحديات، محافظ على إرثه الروحي والثقافي.
من مدينة إزنيق، نيقية القديمة، التي احتضنت المجمع المسكوني منذ 1700 عام، إلى لبنان الرسالة، تأتي الزيارة البابوية الأولى للبابا لاوون امتدادًا للبابا القديس يوحنا بولس الثاني والبابا بنديكتوس السادس عشر، وتحقيقًا لرغبة السلف السلامي البابا فرنسيس، الذي عبّر في مناسبات عدة عن أمنيته بالاحتفال بهذه الذكرى المهمة.
هذه الزيارة المباركة الذي تبصر النور في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية وجيوسياسية دقيقة، تمثّل شعلة رجاء في زمن المحن، ورسالة تضامن من الكنيسة الجامعة إلى شعوب الشرق الأوسط المتألمة.
استهل راعي الأبرشية المارونية في أستراليا ونيوزيلندا وأوقيانيا، سيادة المطران أنطوان-شربل طربيه، مداخلته عبر برنامج "صباح الخير أستراليا" بالإضاءة على مفصلية هذه الزيارة التي تشكّل "محطة أكثر من تاريخية تتجاوز الرمزية"، إذ تؤكد للشعب والشباب اللبناني أنهم ليسوا منسيين، وتعكس رفض كل أشكال التزوير والتلاعب بالهوية الوطنية.
طربيه، الذي يستعد للانطلاق إلى لبنان مع وفد من الشبيبة المارونية، يرى أن هذه الزيارة تبرز رسالة لبنان الحقيقية المتمثلة في العودة إلى هويته ودوره الحضاري، مع التأكيد على تعدده وديمقراطيته في مواجهة الأنظمة الأحادية. ويستعد وفد الشبيبة المارونية في الانتشار، المكوّن من خمسين شابًا وشابة، لاستقبال هذه اللحظة الفريدة التي تجسّد رجاءً جديدًا للبنان.
الرجاء الجديد للبنان
حول دلالات اختيار لبنان كأول محطة في الجولة الرسولية الدولية، وما الرسالة التي يسعى البابا لإيصالها للعالم وللمجتمع الدولي، قال طربيه:
الزيارة تهدف إلى تحويل أنظار العالم إلى لبنان، لتؤكد للبنانيين أنهم لم يُنسوا، وأن الكنيسة حاضرة لدعمهم روحياً ومعنوياً
وأضاف:
"الزيارة تحمل رسالة رجاء متجدد، مستحضراً الإرشاد الرسولي 'رجاء جديد للبنان'. إنها تؤكد أن لبنان، رغم كل الأزمات، ما زال حاضراً في قلب الكنيسة والعالم".
يقرأ المطران تاريخية هذه الزيارة في التوقيت كما المضمون، في قلب شرق أوسط جريح يحاول المضي صوب فجره، قائلاً:
"قداسة البابا سيزور لبنان، ولا تراجع عن هذه الزيارة إلا إذا حالت ظروف استثائية دون إجراء هذه الزيارة".
دور الأبرشية والشبيبة
يفخر المطران بالرغبة العميقة للشبيبة في الأبرشية لتكون شاهدة في الوطن الأم ومنبع الهوية على هذه الزيارة النبوية، وحول مشاركة الأبرشية والدور الذي ستلعبه شبيبة كاتدرائية سيدة لبنان في هاريس بارك، قال:
"نحن ذاهبون إلى لبنان مع وفد من خمسين شاباً وشابة، ليشاركوا في اللقاء مع البابا في الأول من كانون الأول/ديسمبر، في خطوة فريدة لبناء الهوية والانتماء"،
الشباب اللبناني في الانتشار متجذر في الهوية، والمشاركة في لقاء البابا يساهم في بناء الهوية اللبنانية والكنسية، ويؤكد على الانتماء إلى الوطن الأم والكنيسة الأم
كما وتوقف طربيه عند البعد الرعوي للزيارة، ما يعكس ما ورد في الإرشاد الرسولي Dilexi te:
"المحبة تُترجم بأعمال الرحمة، والزيارة تدعم مسيرة التعافي والسلام في لبنان، وتؤكد رفض كل أشكال العنف والحروب".
لبنان نموذج للعالم
يستحضر المطران وجه لبنان الرسالة الذي يشكّل نموذجاً للتعايش للعالم، ليقول:
لبنان، بتعدديته وديمقراطيته، يشكّل نقيض الأنظمة الأحادية، ورسالة لبنان الحضارية تبقى حاضرة رغم الجراح والصعوبات
وأضاف:
"نحن أولاد الرجاء، وعلينا أن نحافظ على هذا الرجاء وننقله إلى الأجيال القادمة".
هذه الزيارة، التي ترسّخ الإرث البابوي تجاه لبنان بدءًا من سينودس 1995 وصولاً إلى وثيقة "رجاء جديد للبنان"، تجدد تأكيدها على دور لبنان الرسالة، ورافضةً كل محاولات تشويه هويته، يقول طربيه:
"الكنيسة اليوم تُجدد تأكيدها على دور لبنان كرمز للحرية والتعددية، وعلى الرسالة الحضارية للبنان في المنطقة".
"لبنان الرسالة ووطن التعددية، يرفض كل محاولة لتزوير هويته، ويرفض الذهاب نحو الحروب والتسليح والمحاور".
وفيما يثبّت طربيه عينيه على حاجة لبنان لجرأة السلام، التي تتجسّد في شعار هذه الزيارة "طوبى لفاعلي السلام"، يختتم مداخلته قائلاً:
"أصوات السلام في لبنان يجب أن تكون مدعومة، فلبنان وأي بلد فيه يستحق الحياة، ويستحق أن يكون مكان اللقاء بين الشرق والغرب، وبين الأديان وخاصة المسيحية والإسلام"،
الزيارة تؤكد أن لبنان لم يُنسَ، وأن الكنيسة والبابا حاضران لدعم اللبنانيين والمنتشرين، وهي رسالة سلام وحوار بين الأديان والمجتمعات
هذا وأعلن مكتب الصحافة التابع للكرسي الرسولي عن البرنامج الرسمي للزيارة الرسولية التي سيقوم بها الحبر الأعظم البابا لاوون الرابع عشر إلى لبنان من 30 تشرين الثاني إلى 2 كانون الأول 2025، آتياً من تركيا بعد المشاركة في احتفالات الذكرى 1700 لمجمع نيقية المسكوني.
سيصل البابا لاوون الرابع عشر يوم الأحد إلى مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت في مراسم استقبال رسمية ويلتقي رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء والسلطات وممثلي المجتمع المدني والسلك الدبلوماسي، وفي اليوم الثاني يتوجه إلى عنايا وحريصا وبكركي لزيارة ضريح القديس شربل مخلوف، ثم لقاء الأساقفة والكهنة والمكرّسين في مزار سيدة لبنان ولقاء خاص مع البطاركة الكاثوليك في السفارة البابوية، ويختتم اليوم بلقاء مسكوني وحواري بين الأديان في ساحة الشهداء قبل التوجه إلى ساحة الصرح البطريركي في بكركي للقاء شبيبة لبنان.
يختتم البابا لاوون الرابع عشر زيارته إلى لبنان بلقاء الطاقم الطبي والمرضى في مستشفى راهبات الصليب في جل الديب، ثم صلاة صامتة في موقع انفجار مرفأ بيروت، والاحتفال بالقداس الإلهي في الواجهة البحرية لبيروت قبل مراسم الوداع في المطار والمغادرة إلى روما، وصولاً إلى مطار روما الدولي في وقت لاحق من اليوم نفسه.
ماذا ستحمل هذه الزيارة لوطن مُنهك يحوّل الموت الى بيادر حياة؟
الإجابة في الملف الصوتيّ أعلاه.
استمعوا لبرنامج "Good Morning Australia" من الاثنين إلى الجمعة من الساعة السادسة إلى التاسعة صباحا بتوقيت الساحل الشرقي لأستراليا عبر الراديو الرقمي وتطبيق SBS Audio المتاح مجاناً على أبل وأندرويد.وعلى القناة 304 التلفزيونية.





