يتقدّم المشهد السياسي محوران أساسيان: تثبيت الاستحقاق الانتخابي في ربيع 2026 بعيدًا عن التجاذبات، والتحضير الإداري واللوجستي لإنجازه. رئيس الحكومة نواف سلام شدّد على احترام المهل الدستورية، قائلاً: "لا مجال لتأجيل الانتخابات النيابية، ولسنا في وارد التمديد للبرلمان، لأن ما كُتب قد كُتب ولا عودة عنه".
يقف لبنان اليوم أمام استحقاق داخلي وخارجي دقيق وسط انقسامات سياسية حادة، دعا فيها الرئيس جوزاف عون إلى تغليب المصلحة الوطنية، مؤكدًا أن "المرحلة دقيقة وتتطلب مواقف مسؤولة تصون وحدة لبنان"، ومشددًا على حياد المؤسسة العسكرية واستكمال الإصلاحات لأن "مصلحة لبنان أولاً".
فيما تتقاطع مواقف عون مع قوى اغترابية وإصلاحية لتوسيع تمثيل المغتربين إلى 128 نائبًا، يحرص التيار الوطني الحر على صيغة المقاعد الستة وفق القانون الانتخابي لعام 2017، معتبرًا أن هذا التمثيل يحافظ على خصوصية المغتربين ويضمن صوتهم المستقل من دون الإخلال بالتوازنات الداخلية، ويؤكد دورهم الاقتصادي والاجتماعي الوطني
فتح الوزير اللبناني الأسبق د. بيار رفول ملفات شائكة في الشأن اللبناني، واضعًا ما اعتبره "حقائق مغيّبة" أمام الرأي العام. من التمثيل النيابي للمغتربين إلى سلاح حزب الله والسيادة الوطنية، مرورًا بأزمة القضاء وتراجع الدولة، لم يتوانَ رفول عن توجيه انتقادات حادّة، لا سيما لرئيس الجمهورية الحالي، الذي قال إنه "وصل بطريقة غير شرعية، وكان عليه أن يتنحى عن قيادة الجيش قبل ستة أشهر من الترشح"، مضيفًا أن "خمس دول ضغطت لإيصاله".
التمثيل الاغترابي: بين ستة مقاعد وصوت مكتمل
في ظل مقاربة التيار الوطني الحرّ القائمة على الفصل بين إشراك الاغتراب في العملية السياسية وبين إعادة توزيع القوى داخل البرلمان، تناول د. رفول ملف تمثيل الاغتراب في الانتخابات النيابية المقبلة تزامنًا مع فتح باب التسجيل للمشاركة، واعتبر أن تأخّر الدولة في تقديم إجابات واضحة حول مصير أصوات المغتربين أمر غير مبرّر، قائلًا:
"لقد تأخر الوقت، وكان ينبغي على اللبنانيين في الانتشار أن يسجلوا أنفسهم مسبقًا. تسجيلهم هو تأكيد على انتمائهم الوطني وحرصهم على مستقبل لبنان، مهما ابتعدوا جغرافيًا."
وحول موقف التيار الوطني الحر من توسيع التمثيل الاغترابي، قال:
"نحن لا نعارض مبدأ التمثيل، لكننا نتمسك بصيغة المقاعد الستة التي نصّ عليها قانون 2017. هذا الحل يضمن خصوصية صوت المغترب، ويحمي التوازنات السياسية والطائفية الداخلية، دون أن يُستخدم الاغتراب كأداة لإعادة توزيع القوى داخل المجلس النيابي."
وفي سياق الجهود التي يبذلها التيار الوطني الحر على تسهيل تسجيل اللبنانيين في الخارج، يقول رفول:
"في حال لم يُسمح لهم بالاقتراع في الخارج بعد تسجيلهم، فمن حقهم أن يصوّتوا في لبنان، وإلا فإن حقهم الانتخابي يكون قد سُلب منهم".
السلاح والسيادة: بين التهديدات والخروقات
دان رئيس الجمهورية جوزف عون الاعتداءات الإسرائيلية على بلدات الجنوب، معتبرًا أنها "تشكل خرقًا جسيمًا للقرار الدولي وتهديدًا مباشرًا للاستقرار"، ومؤكدًا أنها تأتي ضمن "سياسة ممنهجة تستهدف البنى الإنتاجية وتعطّل مسار التعافي الاقتصادي".
وعن ذكرى مرور عام على اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، وفي خضم الخروقات الاسرائيلية علّق رفول:
"وقف إطلاق النار الذي تمّ بوساطة إسرائيلية أميركية لم يكن اتفاقًا متكاملًا، إذ لا يمكن الحديث عن هدنة بينما تواصل إسرائيل احتلال أراضٍ لبنانية وتقوم بخروقات يومية."
وأشار إلى أن إسرائيل لا تزال تمارس اعتداءاتها، قائلًا:
"منذ عام ونحن نشهد خروقات متكررة من قبل إسرائيل، بينها قصف للمناطق الحدودية وعرقلة الحياة اليومية للسكان، كما حدث مؤخرًا مع إغلاق عشرات المدارس في الجنوب بسبب القصف."
وردًا على سؤال بشأن موقف التيار من سلاح حزب الله، قال:
"نحن نؤمن بأن السلاح يجب أن يكون حصرًا بيد الجيش اللبناني، ولا بد من إعادة تنظيم القوات المسلحة بما يعيد الاعتبار إلى الدولة ومؤسساتها."
إلا أنه شدد على أن السبب الأساسي لعدم تسليم حزب الله سلاحه هو استمرار الخطر الإسرائيلي:
طالما أن إسرائيل مستمرة في خروقاتها، فحزب الله لن يرى مبررًا لنزع سلاحه. هذه المعادلة تعقّد الموقف
إصلاح الدولة: من القضاء إلى الانتخابات
وتحدث د. رفول عن شعارات العهد السابق المتعلقة ببناء الدولة، وخصوصًا إصلاح القضاء، مشيرًا إلى أن الانقسام السياسي عطّل هذا المسار:
"الرئيس عون تحدث في خطاب القسم عن إصلاح القضاء واستعادة أموال المودعين، لكن الواقع القضائي بقي مسيّسًا. عندما يفقد القضاء استقلاليته، تنهار مؤسسات الدولة."
واستشهد رفول بكلام رئيس الوزراء البريطاني تشرشل خلال الحرب العالمية الثانية:
حين كانت لندن تتعرض للقصف، كان تشرشل يسأل دائمًا: هل القضاء بخير؟ فإن قيل له نعم، كان يجيب: إذًا، الأمة بخير
ورفض اتهام التيار بالفشل في إصلاح القضاء خلال سنوات حكم عون، مضيفًا:
"لقد عيّنا رئيس مجلس قضاء يتمتع بالنزاهة، لكنه لم يُمنح القدرة على التغيير. جميع القوى السياسية كانت تتدخل في عمل القضاء، وليس فقط نحن."
التيار الوطني الحر: خلافات داخلية أم انسحابات كيدية؟
وعن الأحاديث المتكررة حول تفكك التيار الوطني الحر، وخروج عدد من رموزه، ردّ رفول قائلًا:
"من يُقال عنهم مؤسسون ليسوا جميعًا كذلك. أنا كنت من بين المؤسسين، وأعرف من كان له دور فعلي. بعضهم غادر لأسباب شخصية أو سياسية، لكننا لم نطرد أحدًا."
وأضاف:
بعض هذه الانسحابات سببها الكيدية أو الطموح الشخصي، ولكن التيار لا يزال قويًا وحاضرًا، ولم يتمكن أحد من عزله رغم كل الضغوط
الحكومة والتوازنات: بين التمثيل والفرض
يقرأ د. بيار رفول أداء العهد الجديد في أشهره الستة الأولى ليلّخص المشهد السياسي بالشلل او "الدولة مكربجة" كما قال:
الدولة مكربجة، وكل المؤسسات مشلولة، والقضاء بات أداة سياسية بدل أن يكون ضمانة وطنية
لم يتوانَ رفول عن توجيه انتقادات حادّة، لا سيما لرئيس الجمهورية الحالي الذي تجاوز الدستور بدعم خارجي حسب قوله "وصل الرئيس بطريقة غير شرعية، وكان عليه أن يتنحى عن قيادة الجيش قبل ستة أشهر من الترشح"، مضيفًا أن "خمس دول ضغطت لإيصاله".
وفي معرض حديثه، وصف واقع الدولة اليوم بالقول:
وحول تشكيل الحكومات وتوزيع الحصص الوزارية، اعتبر رفول أن هناك ازدواجية واضحة في التعاطي مع المكونات السياسية، قائلاً:
"رئيس الحكومة يختار وزراءه، فلماذا يُفرض على المسيحيين أسماء معينة؟ لماذا تختار بقية الطوائف وزراءها بحرية، بينما يُقال للمسيحيين هذا ما هو متاح لكم؟"
وختم بالتأكيد على أن التيار حاول أن يتعاون، لكنه لم يُمنح الفرصة الحقيقية:
"خلال العهد، جلسنا جانبًا، وتعاونّا، لكن الآخرين لم يكونوا معنا. وفي النهاية، لم ينجحوا في إنجاز الكهرباء ولا في تنفيذ الإصلاحات، فليتساءل الناس من المسؤول فعلاً."
لبنان الى أين يمضي وما إشكاليته الأكبر؟
الإجابة مع د. بيار رفول، في الملف الصوتي أعلاه.