"الموارنة والشيعة في لبنان": من بندقية العقيدة إلى عقيدة الوطن، هل يلتقي الجبلان؟ أنطوان سلامه يجيب

shared image (1).jfif

يشكّل كتاب "الموارنة والشيعة في لبنان: التلاقي والتصادم" للكاتب انطوان سلامة محاولة بحثية دقيقة لإعادة قراءة العلاقة بين طائفتين مركزيتين في التاريخ السياسي والاجتماعي اللبناني، من خلال تحليل مراحل التلاقي والصدام التي شكّلت ملامح الدولة اللبنانية الحديثة.

هل تختلف "المارونية السياسية" عن "الشيعية السياسية" في جوهرها؟ هل استطاع "الجبلان في اتجاهين" من الانتقال من حرب العقيدة إلى اعتناق الوطن؟ في كتابه الجديد "الموارنة والشيعة في لبنان: التلاقي والتصادم" يصبح التاريخ بقلم أنطوان سلامه مرآة جماعية، والكتابة فعل وجود معرفيّ، والحياد موقفًا أخلاقيًا في وجه عصبيتين تحكمتا بتاريخ من التداخل والاشتباك لا يزال يلقي بظله على حاضر لبنان ومستقبله. فهل نجح انطوان سلامة في خلع عباءة مارونيّته وهو يكتب سردية الجماعة، للحفاظ على ما تبقّى من لبنان؟


 للاستماع إلى أحدث التقارير الصوتية والبودكاست، اضغطوا على الرابط التالي.


يشكّل كتاب "الموارنة والشيعة في لبنان: التلاقي والتصادم" محاولة بحثية دقيقة لإعادة قراءة العلاقة بين طائفتين مركزيتين في التاريخ السياسي والاجتماعي اللبناني، من خلال تحليل مراحل التلاقي والصدام التي شكّلت ملامح الدولة اللبنانية الحديثة.

Media (2).jfif
"لم اتصور وجود هذا الكم من التقاطعات والتناقضات بين الموارنة والشيعة" يقول الكاتب انطوان سلامة في كتابه "الموارنة والشيعة في لبنان: التلاقي والتصادم" الذي رأى أن من أبرز التقاطعات الميل العصبي الى الاستقلالية ام الحكم الذاتي او الانعزال في جبلين يشتركان روحي الانفصال عن محيطهما.


لا يدّعي أنطوان سلامه تقديم حلّ بقدر ما يسعى إلى فتح مساحة معرفة الذات والآخر.

وفي خصوبة التلاقي يقول:

لا أهدف إلى إيجاد حل، بل خلق مساحة من معرفة الذات والآخر في تاريخين، لا بل تاريخ واحد

إنّ هذه الرؤية تعكس وعيًا عميقًا بأن بناء التفاهم الوطني يتطلب أولاً فهمًا موضوعيًا لتاريخ مشترك معقد، لا يجرد أيًا من الطرفين من مكوناته وهويته.

يصف الكاتب والباحث والإعلامي أنطوان سلامه عمله البحثي الجديد، بأنه محاولة جريئة لإعادة قراءة العلاقة التاريخية المعقدة بين طائفتي الموارنة والشيعة في لبنان.

هو الذي قال " تمكنت من الخروج من بيئتي لأكون متوازنًا، أو إذا صحّ التعبير، محايدًا"، يرى أن ما يجمع الطائفتين هو "الخوف من الأكثريات"، وهو عامل مشترك يدفع إلى الانكماش الجماعي والسوسيولوجي، مشيرًا إلى أن هذا الخوف قد استُغلّ عبر التاريخ من قبل قوى خارجية غذّت الانقسام الداخلي.

في قراءة نقدية ومعمّقة لتاريخ العلاقة بين طائفتين مركزيتين في النسيج اللبناني، الموارنة والشيعة، يقدم انطوان سلامه في كتابه محاولة أكاديمية وإنسانية جريئة لإعادة النظر في هذه العلاقة التي تذبذبت عبر التاريخ بين التحالف والصدام، بين الانعزال والاندماج، بين الخوف من الآخر والتقاطع معه.

سلامه، الذي عُرف بكتاباته التي تمزج بين الحس الصحافي والتحقيق السوسيولوجي، يؤكد أن هذا العمل جاء من "جرأة مدروسة" لفهم واقع هاتين الطائفتين "الأقلويّتين" كما يقول:

نحن مدعوّون إلى الجرأة لمواجهة واقع الأقليتين، أو الطائفتين الأقلويتين، الموارنة والشيعة، حيث يكمُن الخوف العميق من الأكثريات

عصبيّتان متوازيتان

يرى سلامه أن العلاقة بين الموارنة والشيعة ليست مجرّد صفحة من صفحات التاريخ اللبناني، بل هي مرآة تعكس تعقيدات الكيان الوطني نفسه. ويقول:

لم أتصور وجود هذا الكمّ من التقاطعات والتناقضات بين الموارنة والشيعة

وهو يعتبر أن أبرز ما يجمع الطائفتين هو ميلهما التاريخي إلى الاستقلالية الذاتية، أو حتى الانفصال الرمزي أو الواقعي عن محيطهما، ما يدفعه إلى استخدام تعبير "جبلان في اتجاهين"، في إشارة إلى جذورهما الجبلية، وطبيعة العصبية الداخلية لكل منهما في فعل التجذَر بالأرض ويضيف:

"العصبية المارونية اتجهت نحو الغرب، نحو المجمع الخلقيدوني، ثم إلى الفاتيكان. أما العصبية الشيعية فانبثقت من الخلاف الإسلامي على الإمامة، واتجهت نحو علي بن أبي طالب، أي نحو الشرق".

يرفض سلامه اختزال الخلاف في بُعده الديني فقط، مشيرًا إلى أن التناقضات بين الطائفتين تلبّست أبعادًا سياسية واقتصادية. فيشرح أنه خلال الحقبة العثمانية، كانت الصراعات بين الإقطاعيين من الموارنة والشيعة تتعلق بالسيطرة على جباية الضرائب وتملّك الأراضي، وهو ما أفرز صدامات في مناطق واسعة من جبل لبنان الشمالي:

"لم يكن الصراع دينيًا بالمعنى العقائدي، بل كان صراع نفوذ على الجباية وتملك الأرض، حيث كانت الأرض، كما الضرائب، من ركائز السلطة السياسية والاجتماعية".

الغياب والحضور... والتاريخ الذي لم يُكتب بعد

في خلفية الكتاب، يبرز هاجس سلامة الأساس"ثنائية الحضور والغياب"، هذا المفهوم الذي يرافقه كهاجس فكري ونفسي، يدفعه إلى التأمل في كيفية تغييب السرديات، أو محوها بمرور الزمن إن لم تُكتب.

إذا ما كُتبنا، ما نعرفه سيغيب مع الزمن. نحن لا نطوي صفحات التاريخ، بل نخاف أن نقف أمام مرآتنا الكبرى، لا كأفراد فقط، بل كجماعات

يتحدّث سلامه عن عمله كباحث وصحافي، ويقول إن اختياره أن يغوص في هذا الملف لم يكن مجرد رغبة في التحليل الأكاديمي، بل هو نابع من مسؤولية ذاتية وتاريخية. ويؤكد أن الكتابة بالنسبة له هي أكثر من وسيلة تعبير:

"الكتابة هاجسي الفكري. إن لم أكتب، أفقد جزءًا عميقًا من نفسي. لقد عشت هذه الذاكرة بعيني، عبر روايات الأجداد، ومن ثم بحثت عنها في الكتب. إنها محاولة لكتابة ذاكرة الجماعة، الشفهية والمقموعة".

ويرى سلامه أن إعادة كتابة التاريخ اللبناني تُواجه بصعوبات عدّة، أبرزها الشك بالمصادر وتناقض المراجع، مشيرًا إلى أن هناك شبه استحالة لكتابة تاريخ موحّد للبنان، لأن المجتمع اللبناني تعدديّ في تكوينه، ومتناقض في مقاربته لماضيه.

ويقول:

حاولت في هذا الكتاب أن أخلق توازنًا بين كل السرديات التاريخية

" اعتمدت على مراجع موثوقة، حتى تلك التي لم يكتبها مؤرخون، بل استُند إليها في أبحاث سابقة. هدفي لم يكن إعطاء رأي شخصي، بل عرض المادة كما هي، وترك مهمة الحكم للقارئ".
 
من بندقية العقيدة الى عقيدة الوطن

في حديثه عن البعد الرمزي للمقاومة والسلاح والانتماء العقائدي، لا يتردد أنطوان سلامه في البحث عن المحرّك الأساسي الذي عزز العصبيّة.

يقف سلامه عند "الخوف من الزوال" الذي كان المحرك الأساسي وراء انكفاء الجماعات، معتبرًا انه "دائمًا ما يجري تغذية هذا الخوف من قِبل قوى خارجية أو أكثريات داخلية، ما يخلق حالة من العصبية الطائفية التي تؤدي، في لحظات الغليان، إلى خطاب الكراهية، ثم إلى الحرب كما حصل في عام 1975".

يعتبر أن غريزة البقاء التي تدفع الجماعة إلى التقوقع هي نفسها التي يجب أن تدفعها إلى الحوار، لأن الموارنة والشيعة، رغم صراعاتهم التاريخية، عاشوا تشابكًا ديموغرافيًا واجتماعيًا طويل الأمد، خصوصًا في السهل والجبل، والقرى والمدن.

ويقول:
هذا الكتاب هو تنبيه إلى خطورة المرحلة. إنه دعوة لحوار وطني واسع، لا لاتفاقات ثنائية، للحفاظ على النعمة التي اسمها لبنان

الحياد ليس موقفًا سلبيًا... بل شجاعة التوازن

ورغم انتمائه الماروني، يؤكد أنطوان سلامه أنه تحرّر من هذه الهوية عند الكتابة، وأن من أجمل ردود الفعل التي تلقاها على كتابه كانت: "لقد خرجتَ من بيئتك لتكون محايدًا". ويضيف:

"الحياد تقنية نعرفها نحن الصحافيين، وهو التوازن بين الأبيض والأسود. وأنا حاولت أن أقدم الروايات المارونية والشيعية بمقدار واحد، دون تدخل شخصي، بل تركت المادة لتتكلم، وتركت الحكم للقارئ".

 هو الذي اعتبر ان هذا العمل "محاولة لكتابة تاريخ مشترك، لا تاريخين، انطلاقًا من تعددية المصادر، والابتعاد عن الانحياز الطائفي"، يختم بالقول إن التاريخ ليس مجرد تراكم أحداث، بل هو مسؤولية جماعية. وإذا لم نقرأه بصدق، فسنكرر الأخطاء نفسها. والحياد ليس موقفًا رماديًا، بل "مسؤولية أخلاقية" في زمن الاصطفاف.

نطوي صفحات تاريخنا من دون أن نقرأها، كأننا نخشى مواجهة أنفسنا في مرآة الجماعة لا الفرد. ومن لا يقرأ ذاته، صغرى كانت أم كبرى، بصدق ودون تجميل أو مساومة، كيف له أن يعبر إلى الغد وهو عالق في أمسه؟

الإجابة مع أنطوان سلامه في الملف الصوتيّ أعلاه.


للاستماع إلى أحدث التقارير الصوتية والبودكاست، اضغطوا على الرابط التالي.

 

استمعوا لبرنامج "Good Morning Australia" من الاثنين إلى الجمعة من الساعة السادسة إلى التاسعة صباحا بتوقيت الساحل الشرقي لأستراليا عبر الراديو الرقمي وتطبيق SBS Audio المتاح مجاناً على أبل  وأندرويد.وعلى القناة 304 التلفزيونية.

أكملوا الحوار عبر حساباتنا على فيسبوك وانستغرام.

اشتركوا في قناة SBS Arabic على YouTube لتشاهدوا أحدث القصص والأخبار الأسترالية.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

شارك

تحديثات بالبريد الإلكتروني من أس بي أس عربي

.سجل بريدك الإلكتروني الآن لتصلك الأخبار من أس بي أس عربي باللغة العربية

باشتراكك في هذه الخدمة، أنت توافق على شروط الخدمة وسياسة الخصوصية الخاصة بـ "SBS" بما في ذلك تلقي تحديثات عبر البريد الإلكتروني من SBS

Download our apps
SBS Audio
SBS On Demand

Listen to our podcasts
Independent news and stories connecting you to life in Australia and Arabic-speaking Australians.
Personal journeys of Arab-Australian migrants.
Get the latest with our exclusive in-language podcasts on your favourite podcast apps.

Watch on SBS
Arabic Collection

Arabic Collection

Watch SBS On Demand