وكأن انهيار الوضع الاقتصادي لم يعد كافياً للبنانيين الذين يعيشون كابوساً معيشياً لا تبدو نهايته قريبة.
فها هي الموجة الجديدة من فيروس كورونا تعود إلى لبنان منذرة بكارثة انسانية وسط تراجع قدرة المستشفيات الخاصة والحكومية على توفير الخدمات الأساسية للمرضى.
أضف إلى ذلك بدأت طبول الحرب تقرع مع توتر أمني في منطقة مزارع شبعا الحدودية بين الجيش الاسرائيلي وحزب الله، وفيما استبعدت تقارير وقوع حرب فعلية بين الطرفين، هل يحتمل لبنان الدخول في أي مواجهة أمنية حالياً؟
فالانهيار الاقتصادي الأسوأ في تاريخ لبنان الحديث لم يوفر أي طبقة اجتماعية، خصوصاً مع خسارة الليرة لأكثر من ثمانين بالمئة من قيمتها أمام الدولار، ما تسبب بتآكل القدرة الشرائية للمواطنين وخسارة عشرات الآلاف وظائفهم أو جزءاً من رواتبهم. وبات نصف اللبنانيين تقريباً يعيش تحت خط الفقر، ولامس معدل البطالة 35 في المئة.

Smoke rises on the Lebanon side of the border after Israeli artillery shelling in response to an attempted Hezbollah attack on the Israeli-Lebanon border. Source: AAP
وسط هذه الأجواء أتت زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان إلى بيروت الأسبوع الماضي لتذكر اللبنانيين أن بلادهم أشبه بسفينة التيتانيك التي تغرق ببطء على حد وصف الأخير.
وقد تختصر عمق الأزمة التغريدة الأخيرة التي نشرها رئيس الحكومة حسان دياب قبل أن يحذفها والتي كانت عبارة عن مجموعة من التساؤلات أثارت موجة سخرية وغضب من قبل الشعب اللبناني قال فيها: "البلد يواجه تحدّيات استثنائية، وهناك تفلّت السلاح واعتداء على مراكز الأمن وكأن الأمور ليست تحت السيطرة. أين الأجهزة الأمنية؟ أين القضاء؟ ما هو دورهم في فرض هيبة الدولة؟ كيف يمكننا فرض الأمن في منطقة ولا يمكننا فرضه في منطقة ثانية؟ ما يحدث لا يحتاج الى توافق سياسي، بل الى قرار أمني جدي وحازم." فإذا لم يكن لديه الإجابة على هذه الأسئلة من من المفترض أن يجيبه؟
أستاذ العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية الأمريكية في بيروت، وأحد كبار الباحثين في مركز الثقافة والمجتمع في جامعة غرب سيدني البروفسور بول طبر اعتبر أن تصريحات دياب تثير التعجب والاستغراب "خصوصاً انها صادرة عن أول سلطة تنفيذية في لبنان والتي من المفترض أن تكون القرارات بيدها" واضاف: "يمكن أن نقرأ هذه التغريدة كمؤشر لأزمة السلطة في لبنان".
طبر رأى أن تحذيرات وزير الخارجية الفرنسي من خطورة الوضع ليست بالجديدة واعتبر أنه "لو كان هناك إرادة ورؤية فعلية لمجابهة هذه الأزمة من قبل أفرقاء السلطة ككل وليس فقط الأطراف الحاكمة حالياً لكنا رأينا خطوات ايجابية باتجاه الحل" معتبرا أن زيارة لودريان إلى بيروت الأسبوع الماضي لم تكن سوى مؤشراً لمدى جدية الأزمة التي يمر بها لبنان.
تجدر الاشارة إلى أن الزيارة كانت الأولى لمسؤول رفيع المستوى إلى لبنان منذ تشكيل الحكومة وبدء انتشار وباء كوفيد-19 قبل أشهر، وقد حذر خلالها لودريان بشكل واضح أن لبنان بات "على حافة الهاوية" مشدداً على ضرورة الإسراع في إجراء إصلاحات ضرورية لحصول لبنان على دعم مالي خارجي قائلا: "ساعدونا لنساعدكم".

An anti-government protester uses a tennis racket to return a tear gas canister at riot in Lebanon. Source: EPA
أما فيما يتعلق بالتوتر الأمني على الحدود الجنوبية للبلاد والحديث عن حالة استنفار إسرائيلية كبيرة تحسباً لعمليات من حزب الله رداً على مقتل أحد عناصره في دمشق بغارة إسرائيلية، استبعد طبر حصول حرب في المدى القريب: "من وجهة نظر اسرائيل الحرب لن تكون مفيدة لمصلحتها بالمقارنة مع ترك لبنان يتخبط بأزماته الداخلية التي يراهنون أنها ستساهم في تراجع شعبية حزب الله ليس فقط في نطاق الطائفة الشيعية بل على المستوى الوطني أيضاً".
هذا وعلّق طبر على طرح "تحييد لبنان" بالقول: "لتحديد حياد لبنان تجاه ما يدور حوله في المنطقة، من المفترض أن يكون هناك طرف وسلطة تحدّد ما هي مصلحة لبنان التي على ضوئها يمكن اختيار مع من يقف اللبنانون وضد من يقفون".
البروفسور بول طبر أمل في الختام أن يتم تحالف بين القوى الشعبية المعارضة لكي تتمكن من تقديم بدايات حلول للأزمة إذ لن يكون هناك حلول سحرية فورية بين ليلة وضحاها مضيفاً: "أنا لا أفقد الأمل في لبنان ما دام هناك شعب مستعد للتحرك واغتراب لبناني جاهز لدعمه من مختلف أنحاء العالم".





