كان كريم الجوادي في التاسعة عشرة من عمره حين التقى بجاسمين، زميلته الإنجليزية في الجامعة.
ما بدأ كمحادثات عابرة بين زملاء الدراسة سرعان ما تحول إلى شيء أعمق. لكن بالنسبة لكريم، الشاب الذي نشأ في أسرة مصرية تقليدية، لم يكن الحب منفصلًا عن الثقافة والدين.
يقول كريم (25 عامًا): "أخبرتها منذ البداية أن علاقتنا لا يمكن أن تنمو إلا في إطار قيمي الدينية. وقد تفهّمت ذلك واحترمته. ومن هنا قررنا أن نعقد زواجًا إسلاميًا."
يصف كريم نفسه بأنه محافظ، تربى على القيم التقليدية فيما يخص الحب والزواج، ومع ذلك وجد نفسه واقعًا في حب فتاة من خلفية دينية وثقافية مختلفة تمامًا.
"كانت هناك محاولات كثيرة لإقناعي بالزواج من إحدى قريباتنا أو على الأقل من فتاة من نفس الدين أو الخلفية الثقافية، لكنني رفضت."
بالنسبة لكريم، أصبحت علاقته بجاسمين موازنة دقيقة: بين إيمانه ومشاعره، بين توقعات أسرته وخياراته الخاصة.
"يظن البعض أننا لأننا تزوجنا أولًا قد أضعنا الرومانسية من العلاقة، لكنني وعدت جاسمين أن أطلب منها الزواج بشكل رومانسي لاحقًا، وأن نقيم حفل خطوبة وزفاف."
وبعد عامين من الزواج الإسلامي، وفى كريم بوعده: تقدّم لجاسمين طالبا الزواج بشكل رومانسي، وأقام الاثنان حفل زفاف في حضور الأصدقاء والعائلة. والآن، يتخذ الشابان الخطوات النهائية لتسجيل زواجهما رسميًا وفق القانون الأسترالي.
ومع ذلك، لم يختفِ الضغط الأسري والمجتمعي تمامًا.
يقول كريم: "حتى الآن، ما زالت أمي تسألني عن زوجتي وكيف تسير علاقتنا."
"ليس هناك تقبّل كبير داخل المجتمع، خاصة عندما يبدو الشخص مختلفًا. فإذا كان للمرأة عيون خضراء أو لا ترتدي الحجاب، يبدأ الناس في الثرثرة. وكلما رأونا معًا يسألون: هل هي صديقته؟ فأردّ عليهم: نحن متزوجان منذ خمس سنوات!"
عبء التوقعات
قصة كريم ليست استثناءً بين شباب الجيل الثاني من العرب في أستراليا. بالنسبة للكثيرين، لا يُختزل الحب في مشاعر القلب، بل هو معادلة معقّدة تشمل العائلة والثقافة والتقاليد.
دراسة أجرتها جامعة ملبورن بعنوان لغة الحب: ربع الأستراليين في علاقات عرقية مختلطة كشفت أن واحدًا من كل أربعة أستراليين يعيش علاقة مع شريك من خلفية إثنية مختلفة.
لكن أكثر من نصف المشاركين أقروا بأنهم شعروا بضغط عائلي أو مجتمعي عندما دخلوا في علاقات لا تتماشى مع التوقعات التقليدية.
أحمد مرديني
تقول جودي: "بذل والداي جهدًا كبيرًا لنأتي إلى هنا. لذلك أشعر دائمًا أنه يجب أن أنجح، وأن الفشل في أي شيء غير مسموح."
بالنسبة لجودي، فإن خوض تجربة الحب يعني موازنة مستمرة بين استقلاليتها وقيم أسرتها.
تقول جودي: "أنا منفتحة على أن أرتبط بشخص من خلفية مختلفة. لكن المسألة دائمًا تتعلق بالتوازن. لا أريد أن يشعر والداي بأنهما بعيدين عن الشخص الذي أرتبط به."
تصف جودي الآباء العرب بأنهم معروفون بأنهم "صارمون" في قواعدهم.
"لديهم قواعد واضحة جدًا حول ما يمكن فعله وما لا يمكن فعله — مثل عدم السهر لوقت متأخر. لذلك، الحب بالنسبة لي دائمًا هو موازنة بين ما يريدونه وما أريده أنا."
علاقات مخفية
أحيانًا ما يعني هذا التوازن اللجوء إلى السرية. بعض الشباب العرب الأستراليين يخفون علاقاتهم، ليس خجلًا منها، بل خوفًا من خذلان عائلاتهم.
تتذكر جودي سنوات مراهقتها وبعض الأمور التي اضطرت إلى إخفاءها بوضوح.
"كنت دائمًا قلقة من أن يكتشف أحدهم الأمر ويخبر والديّ. لم أتجرأ أبدًا على الحديث معهم في البداية. كان عليّ أن أتأكد من عدم وجود أحد حولي قبل أن أرسل رسالة أو أجري مكالمة."
"لم أتحدث مع والديّ عن أي علاقة في بدايتها، لأني كنت خائفة أن يشعروا بالغضب أو الحزن."
أحمد مرديني، طبيب سوري في الثامنة والعشرين يعيش في سيدني، يشاركها نفس الشعور.
"عندما كنت أصغر سنًا، كنت بالتأكيد أخفي بعض تفاصيل حياتي العاطفية لأني كنت أخشى رد فعل عائلتي."
ولكن بالنسبة لأحمد، فإن مكانته المهنية تضيف ضغطًا إضافيًا.
يقول أحمد: "بالنسبة لعائلتي، لا يمكن للطبيب أن يتزوج أي فتاة. يجب أن تكون متعلمة بدرجة عالية، ويفضل أن تكون سورية، وأن تستوفي معايير دقيقة جدًا."
الآن، بعد أن تجاوز منتصف العشرينات، يشعر أحمد بثقة أكبر في تحدي تلك التوقعات.
"لديّ الآن حدودي الخاصة، ويمكنني أن أشرح خياراتي بصراحة أكبر. لكن عندما كنت أصغر، كان من المستحيل أن أتخيل مواجهة عائلتي بهذا."
"لا يوجد حب هنا"
بالنسبة للبعض، التحدي لا يكمن في السرية بل في الندرة.
سارة، أخصائية تغذية عراقية تبلغ من العمر 26 عامًا، ترى أن العثور على الحب في أستراليا قد يكون شبه مستحيل.
تقول سارة: "عندما كنت أصغر، كانت أمي صارمة ورفضت فكرة العلاقات. لكنها الآن تشجعني على البحث عن شريك. المشكلة أن الأمر صعب هنا — فالخيارات قليلة جدًا."
"ربما لو كنت في العراق كنت سأعيش قصة حب. لكن هنا، أحيانًا أشعر أنني مضطرة للقبول بزواج تقليدي. هنا، لا يوجد حب."
سارة أخصائية تغذية عراقية
"في البداية، أصرت أمي أن يكون عراقيًا، بل ومن منطقة معينة في العراق. أما الآن فأصبحت أكثر مرونة. بالنسبة لي، من المهم أن يكون من نفس الدين ويفضل أن يكون ذا خلفية عربية. لكن الأمر ليس سهلاً."
تعكس كلمات سارة واقعًا اجتماعيًا أوسع.
فوفقًا للمعهد الأسترالي لدراسات الأسرة، فإن واحدًا من كل أربعة منازل (26%) في أستراليا يُسكنه شخص واحد فقط — ارتفاعًا من 18% عام 1981. ويجعل هذا الاتجاه نحو الوحدة البحث عن علاقات ذات معنى أكثر صعوبة، خاصة لمن ينتمون إلى مجتمعات ذات توقعات ثقافية محددة.
صمت بين الأجيال
يرى الأخصائي النفسي الدكتور سليمان أبو حمدان أن المشكلة لا تكمن فقط في التوقعات الثقافية، بل أيضًا في نقص الحوار بين الأجيال.
يقول سليمان: "لأن الأجيال السابقة تجنبت المحادثات المفتوحة مع أبنائها حول الحب والعلاقات، فإن كثيرًا من الآباء اليوم يكررون النمط نفسه."
"معظم الشباب يتعلمون الحدود المقبولة ليس عبر محادثات مباشرة، بل من خلال الملاحظة أو التعليقات الجانبية. الحب نادرًا ما يُناقش داخل الأسر. إنه موضوع يتم تجنب الحديث عنه."
يؤكد سليمان أن الحل يكمن في الحوار.
"يحتاج الآباء إلى أن يوضحوا توقعاتهم بوضوح، ويجب أن يشعر الشباب بالأمان عند التعبير عن مشاعرهم. من دون ذلك، يظل كل طرف يفترض عن الآخر ما قد يسبب صدامًا."
وبرغم التحديات والصعوبات، يرى سليمان أن قصص الشباب العرب الأستراليين تكشف عن قدرتهم على التكيف والمرونة.
"إنهم يتأرجحون بين عالمين في الوقت ذاته. الأمر ليس سهلًا، لكنه يعلّمهم القوة والمرونة."
هذه الحلقة من بودكاست صوت الشباب من إعداد دينا عبدالمجيد، وأشرفت على الإنتاج مرام إسماعيل.
استمعوا إلى بودكاست صوت الشباب | Youth Matters على موقِعنا الالكتروني وعلى جميعِ منصاتِ البودكاست المفضلةْ لديكُم.