للاستماع إلى أحدث التقارير الصوتية والبودكاست، اضغطوا على الرابط التالي. قال د. فالح فرنسيس، طبيب المنتخبات العراقية سابقاً، إن تجربته مع ابنته ريم حوّلته من طبيبٍ يعالج إصابات الملاعب إلى أبٍ يؤمن بأن الإعاقة بدايةٌ لطريق جديد.
وبيّن أن الدعم العائلي والنفسي هو المفتاح الحقيقي لفتح أبواب حياة مختلفة وصناعة قصة ملهمة تتحدى الحدود.
وفي اليوم العالمي للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، قال د. فالح فرنسيس طبيب المنتخبات العراقية سابقاً والمتخصص في الطب الرياضي إن الإعاقة ليست عجزاً، بل قدرةٌ مختلفة وإرادة تختبر العالم بطريقة أخرى.
وأوضح في حديث لـ " أس بي أس عربي" أن تجربته مع ابنته ريم، وهي من ذوي الاحتياجات الخاصة، شكّلت انعطافةً عميقة في حياته وجعلته يرى القوة في التفاصيل الإنسانية لا في حدود الجسد.
وأكّد د. فالح أن دوره انتقل من طبيب يعالج إصابات الرياضيين في الملاعب، إلى أبٍ يمنح ابنته التمكين ويؤمن بأن الدعم النفسي والعائلي أهم من العلاج البدني فقط.
وأوضح في حديثه أن تجربته المهنية مع الرياضيين امتدت منذ الثمانينيات، حيث عمل مع اتحاد المجد لذوي الإعاقة في العراق، قبل أن يتحول الأمر بالنسبة إليه إلى تجربة شخصية عميقة حين رزقه الله بابنته ريم، التي تعاني بطئاً في التعلم.
وأشار إلى أن ريم أصبحت محور حياته، وأنه وعائلته تعاملوا معها باعتبارها فرداً كاملاً يستحق التمكين قبل الرعاية.
وبيّن أن المصطلحات المرتبطة بالإعاقة تغيّرت كثيراً خلال العقود الماضية، بعد جدل كبير حول مفاهيم مثل "السوي" و"وذوي الاعاقة"، مؤكداً أن الإنسان المثالي غير موجود، وأن اختلاف القدرات لا ينتقص من قيمة الإنسان أو مكانته.
وقال د. فالح إن تجربة العمل مع الرياضيين من ذوي الإعاقة، ثم مشاركته في تأسيس النظام الداخلي للجنة البارالمبية العراقية، شكّلت خلفية مهمة ساعدته في فهم واقع ابنته بصورة أعمق، مشيراً إلى أنه يرى في ريم "إنسانة عالية الهمة، ربما أكثر من الكثير من الأسوياء".
ولفت إلى أن بناء مجتمعات دامجة يبدأ من موقف إنساني بسيط وهو أن نرى الآخر، وأن نمنحه فرصة حقيقية ليكون جزءاً من المستقبل.
أوضح د. فالح فرنسيس أن التمكين هو المسار الذي يسمح لصاحب الإعاقة بأن يكتشف قدرته الخاصة، بينما تقدّم الرعاية الصحية الحماية الأساسية فقط، وقال إنه عاش المسارين مع ابنته، مؤمناً بأن الدمج بينهما هو ما يصنع استقلالية حقيقية.
الإعاقة الفكرية أو الذهنية أكثر صعوبة من الجسدية، لأنها تتطلب تغييراً كاملاً في نمط الحياة والأسلوب التربوي والنفسي للعائلة
د.فالح فرنسيس
واستعاد د. فالح محطات صعبة واجهتها العائلة، لكنه بيّن أن إرادة ريم وابتسامتها جعلته يرى الإعاقة دافعاً لا عائقاً، فكرّس حياته لتمكينها.
وفي مقارنة بين الإعاقات، اعتبر د. فالح أن الإعاقة الفكرية او الذهنية أكثر صعوبة من الإعاقة الجسدية، لأنها تتطلب تغييراً كاملاً في نمط الحياة والأسلوب التربوي والنفسي للعائلة.
وأوضح أن الأسرة كلها، الأب والأم والأشقاء والأقارب، غيّرت أسلوبها اليومي بما يناسب ريم ويعزز استقلاليتها.
وأكد أن لحظة اكتشافه أن الإعاقة ليست حاجزاً بل دافعاً جاءت مبكراً، حين رأى أن ريم قادرة على التطور إذا مُنحت الفرصة الصحيحة.
وقال إن انتقال العائلة إلى أستراليا منح ابنته بيئة أكثر دعماً، مشيراً إلى الفارق الكبير بين نظرة المجتمع العراقي التي كثيراً ما ترى الإعاقة "وصمة"، وبين المجتمع الأسترالي الذي يعامل أصحاب الهمم كأفراد طبيعيين يتمتعون بحقوق كاملة.
عن اهمية النشاط البدني والصحة النفسية حياة الأشخاص ذوي الإعاقة ودور الطب الرياضي أوضح فرنسيس أن الحركة تمنح الجسد استقلالية، وأن الصحة النفسية تمنح الروح توازناً، مؤكداً أن الطب الرياضي يساعد على اكتشاف نقاط القوة وتحسين القدرة الوظيفية.
واكد أن أستراليا توفر نظام دعم أكثر شمولاً وتسهيلات ميسّرة، بينما يعاني العراق من فجوات كبيرة تحتاج إلى بنية تحتية ومؤسسات متخصصة.
وقال إن المجتمع يمكنه أن يلعب دوراً أساسياً عبر المبادرات التطوعية، وتوفير الدعم النفسي، وتسهيل الدمج المدرسي.
واشار الى أن الدعم العاطفي يحفّز القوة الداخلية ، ماضيا الى القول إن "الجالية العربية في أستراليا ما زالت بحاجة إلى رفع الوعي وتغيير بعض المعتقدات".
واضاف أن مؤسسات المجتمع تعمل حالياً على مبادرات لدمج الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، مثل لجنة خاصة في الكنيسة العراقية وبرامج ومنتديات تنشط في هذا المجال.
أنا لا أتعامل معها كطبيب فقط.. بل كمدرب وأب أيضاً، وأخصص وقتاً كبيراً لتدريبها وتعليمها
د.فالح فرنسيس
وعن دور النشاط البدني والصحة النفسية، أوضح د. فالح أن الحركة عنصر أساسي في تعزيز استقلالية الأشخاص ذوي الإعاقة، مشيراً إلى أنه كطبيب رياضي وكأب يخصص وقتاً كبيراً لتدريب ريم ومساعدتها على ممارسة التمارين، وضبط وزنها، وتعليمها الموسيقى، ومساندتها في تحسين لغتها الإنجليزية للتواصل مع المجتمع.
وأضاف أن ريم ملتزمة بالتوجيهات إلى حد كبير، وأنه يجمع في تعامله معها بين دور الطبيب والمدرب والأب.
ووصف فرنسيس ابنته بأنها اجتماعية ومحبوبة بين الأقارب والغرباء، وتحب التعرف على الناس بلغتها الإنجليزية البسيطة أو بالعربية التي يترجمونها لها عند الحاجة.
وأوضح أن هوايات ريم تتنوع بين الموسيقى والرياضة وأعمال المنزل البسيطة، وخلص الى القول "إن التشخيص الطبي لحالتها لم يُعرف حتى الآن رغم الفحوصات الواسعة التي أُجريت لها في مستشفيات أسترالية متخصصة"، مؤكداً أن جميع التحاليل الجينية سليمة وأن حالتها "بطيئة تعلم" وليست مرتبطة بالتوحد.
احب الاغاني العراقية واتدرب مع والدي في الجم ونمشي في بارك نابولي
ريم فالح فرنسيس
بدورها قالت ريم إنها تحب العزف والموسيقى، وتمارس التمارين الرياضية مع والدها، وتستعمل الدراجة الثابتة والمشي المشترك معه. وأكدت أنها تحب الأغاني العراقية والتراثية، وقدّمت رسالة قصيرة لوالديها قالت فيها"أشكر ماما وبابا وأحبهم وأحب إخواني".
وفي ختام اللقاء، شدد د. فالح على أن دعم الأطفال من ذوي الإعاقة مسؤولية أخلاقية وإنسانية قبل أن تكون واجباً اجتماعياً، ودعا الأسر إلى بذل أقصى ما يمكن من جهد لتمكين أبنائهم.
وقال إن جميع القوانين الدولية تعتبر أصحاب الهمم أشخاصاً أسوياء يتمتعون بقدرات قد تفوق أحياناً قدرات الآخرين، مؤكدًا أن دمجهم في المجتمع يبدأ من الأسرة وينتهي بمؤسسات الدولة.
وختم قائلاً إن هذا اللقاء مع "أس بي أس عربي" بالنسبة له ليس مقابلة طبية أو رياضية عادية، بل حديثٌ من القلب عن جزءٍ ثمين من حياته وتجربة أبٍ ما زال يرى في ابنته نوراً يفتح أبواب القوة والأمل.