في حلقةٍ جديدة من بودكاست "قصتي"، التقينا بالمهندس السوري طارق الشوفي، مدير مكتب بريسبن في شركة ADP Consulting الأسترالية. لكن هذا اللقاء لم يكن عن الهندسة فقط، بل عن الإنسان خلف المهنة، عن التحديات التي تصقل التجربة، والهوية التي تتشكل عبر القارات.
رحلة عبر ثلاث محطات
ولد طارق في دمشق، وبدأ مسيرته المهنية مبكرًا في مكاتب استشارية سورية، قبل أن تحمله الفرص والتقلبات إلى الإمارات، ثم أستراليا. لم يكن يحمل في جيبه سوى الحلم والإصرار، وربما، كما يقول، لم يتخيل أنه سيكون "المهندس الرحّال"، الذي يعبر من ثقافة إلى أخرى وهو يبني لا فقط الأبنية، بل أيضًا علاقات وثقة ونجاحات.
ما كان عندي تصور إني بدي كون رحّال، لكن الحياة خدتني من بلد لبلد،
يقول طارق بابتسامة يملؤها الامتنان.
أستراليا: بلد جديد... حياة جديدة
الهجرة إلى أستراليا لم تكن انتقالًا جغرافيًا فقط، بل إعادة تعريف للذات. برغم سنوات الخبرة في الإمارات وسوريا، كان عليه أن يثبت كفاءته من جديد، أمام سوق هندسي لا يرحم. لكنه لم يعتبر ذلك ظلمًا، بل فرصة لتعلُّم لغة جديدة للمهنة.
أول عمل وجده في أستراليا لم يكن صدفة، بل نتيجة إصرار كبير. يتحدث عن أهمية التفاصيل الصغيرة: أن تذهب بنفسك إلى المقابلة، أن تُظهر شغفك، أن تفهم الثقافة العملية.
"هم ما بيشوفوا بس الشهادة، بيشوفوا كيف بدك تشتغل معهم، إذا عندك استعداد تتعلّم وتندمج"، يشرح طارق.سألناه: هل شعرت يومًا أنك تدفع "ضريبة" كونك عربيًا؟ أجاب بصراحة نادرة:
"مرات، بتحس إنك لازم تثبت حالك مرتين. بس لما تثبت، الناس بتحترمك وبتحترم شغلك."واليوم، لم يعد طارق مجرد مهاجر يثبت كفاءته، بل قائد يختار أن يُحدث فرقًا في حياة غيره.
من المهندس إلى المُمكّن
في خطوة نادرة، يكرّس طارق جزءًا من وقته لتقديم ورشات تدريبية مجانية لدعم المهندسين الجدد – من مختلف الجنسيات – في دخول سوق العمل الأسترالي. ليس فقط تدريبًا تقنيًا، بل أيضًا توجيهًا نفسيًا ومهنيًا.
الفجوة ليست في الكفاءة، بل في فهم النظام الأسترالي، لغةً وثقافةً وبيئة
ومن خلال هذه الورش، يحاول أن يُسرّع على غيره ما استغرقه سنوات.
الإمارات: محطة صنعت التحوّل
قبل أستراليا، كانت الإمارات المحطة الأولى في التحوّل. هناك، خاض طارق تحديات مهنية كبيرة في مشاريع كبرى مثل جزيرة السعديات، في بيئة شديدة التنافس، ومرّت عليه لحظات صعبة – بينها فقدانه لوظيفته خلال الأزمة المالية.
كنت حابب شغلي في الإمارات، بس الأزمة خلتني أخسر شغلي. بس تعلّمت كتير... وكنت دايمًا شايف إنها محطة، مش نهاية
الهوية والانتماء: سؤال لا ينتهي
بعد أكثر من 20 عامًا من التنقّل والعمل، من هو طارق اليوم؟
حققت نجاحا لكنه لا يكتمل الا بتعلم أولادي الذين أشعر أنهم يفخرون بي وبإنجازاتي
في الختام…
المهندس طارق الشوفي ليس فقط قصة نجاح، بل قصة مشاركة. لم يختَر فقط أن ينجح، بل أن يرافق الآخرين في طريقهم للنجاح. في زمنٍ تتكاثر فيه التحديات، وتُقلّل فيه الهجرة من الثقة، تبرز قصص مثل قصته لتذكّرنا أن التجربة تبدأ بصعوبة، لكنها لا تنتهي هناك.