إلى مدينة ملبورن الهادئة، وبين دفء لقاء العائلة وأجواء أعياد الميلاد، يعود الفنان العراقي الأسترالي عماد الملوك إلى المدينة التي شكّلت محطة مهمة في مسيرته، لكن نظره ما زال مشدوداً نحو الشرق، حيث اختار أن يبدأ رحلته الفنية الحقيقية، وسط زخم الموسيقى، وصنّاع الأغنية، والجمهور الواسع.
بعد سنوات من الإقامة في أستراليا، قرّر عماد أن يتبع شغفه، ويغادر الاستقرار النسبي ليضع نفسه في اختبارٍ حقيقي داخل واحدة من أكثر البيئات الموسيقية حيوية في العالم العربي. قرار لم يكن سهلاً، لكنه كان — كما يصفه — ضرورة فنية لا مفر منها.
أي فنان يعيش في أستراليا يدرك حجم التحدي. نحن في بلد اغتراب، وفي مجتمع غربي مختلف في نمط حياته. رغم ازدياد الجاليات العربية، يبقى الجمهور الأوسع في الشرق الأوسط، إضافة إلى وجود الاستوديوهات، والشعراء، والملحنين، والصالونات الفنية… البيئة هناك محفّزة للإبداع بشكل يومي
لم يكن الانتقال مجرد تغيير جغرافي، بل شكّل أيضاً عودة عاطفية وفنية إلى الجذور. فهويته الموسيقية — كما يؤكد — كانت مشغولة دائماً بالشرق: بالعراق، وبمصر، وبالعالم العربي.
“أستراليا كانت محطة مؤقتة… أما الأصل فهناك”، يقولها بثقة.
تحديات القرار… وصناعة الاستقلال
لكن طريق الشرق لم يكن مفروشاً بالورود. فقرار الهجرة الفنية تطلّب سنوات طويلة من التحضير، والاستقرار المادي، وبناء الحد الأدنى من الأمان.
“لا يمكنك أن تترك بلداً لتبدأ من الصفر في بلد آخر من دون ظهرٍ تستند إليه”، يقول عماد، مشيراً إلى أن هذا القرار أخذ منه ما يقارب عشرين عاماً من العمل والتجربة حتى بات مستعداً له فعلاً.
ساعدته أيضاً ظروفه الشخصية، كونه غير مرتبط بأسرة، ما منحه حرية حركة أكبر. ومع ذلك، لم تخلُ الرحلة من تحديات حقيقية في الشرق أيضاً: منافسة شرسة، وصعوبة الوصول إلى كبار الأسماء في عالم التلحين والإنتاج، وضرورة إثبات الذات في سوق مزدحم بالمواهب.
التحديات موجودة دائماً… سواء هنا أو هناك، لكن الفرق أن البيئة في الشرق تشجّعك على الاستمرار
بين مصر والمغرب… حيث تحوّل الحلم إلى أعمال
خلال فترة وجوده في مصر، لم يكتفِ عماد بالبحث والتجربة، بل دخل مباشرة في مرحلة الإنتاج. أنجز عدة أعمال، من بينها أغنية “المارد” باللهجة المصرية، إلى جانب أعمال أخرى تم تصويرها على شكل فيديو كليب في القاهرة.
كما حملته الرحلة إلى المغرب، حيث تعاون مع ملحّن مغربي في عمل فصيح جديد، من المتوقع أن يرى النور قريباً.
“وجودي هناك فتح لي أبواباً لم تكن لتُفتح بسهولة من أستراليا”، يقول.
اللهجة المصرية… حب قديم لا يُخفى
لم يكن الغناء باللهجة المصرية تحدياً بالنسبة له، بل كان امتداداً لطفولة فنية تشكّلت على أنغام عبد الحليم حافظ.
أتقنت اللهجة منذ الصغر، حتى إن أحد المخرجين في مصر قال لي مازحاً: شكلك من المنوفية!
يضحك وهو يستعيد تلك اللحظة، مؤكداً أن الجمهور سيلمس ذلك في أعماله.
هل كانت مخاطرة؟
رغم كل ما قد يُقال عن المجازفة، لا يرى عماد في خطوته تهوّراً. على العكس، يؤمن أن وجود الفنان بين جمهوره ضرورة لا تعوّضها المسافات الرقمية.
“السوشيال ميديا قرّبت المسافات، نعم… لكنها لا تعوّض دفء المسرح، ولا الاحتكاك الحقيقي مع الوسط الفني”.
ملبورن من جديد… وحنين الجالية
عودة عماد إلى ملبورن هذه المرة تحمل طابعاً مختلفاً. فهي زيارة عائلية، واستعادة لدفء الجالية التي دعمته في بداياته، خصوصاً الجاليتين اللبنانية والعربية.
أنا مدين لهم دائماً… هم جزء من حكايتي
القادم… موسيقى بتوقيع الذكاء الاصطناعي
على الصعيد الفني، طرح عماد مؤخراً أغنيته “ممثل محترف” عبر قناته على يوتيوب، ويستعد لتسجيل عمل جديد بعنوان “إنت وياي”، سيُقدّم بأسلوب إخراجي يعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي، إلى جانب مشاريع شعرية وغنائية أخرى في طريقها إلى التنفيذ في مصر قريباً.


