للاستماع إلى أحدث التقارير الصوتية والبودكاست، اضغطوا على الرابط التالي. في الثامن من كانون الأول/ديسمبر 2024، أسقطت فصائل المعارضة السورية النظام خلال هجوم واسع قادته هيئة تحرير الشام بدعم مباشر من الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا، لينهي ذلك سنواتٍ طويلة من الحرب التي انطلقت شرارتها مع الثورة السورية عام 2011، وامتدت لتشمل معظم الجغرافيا السورية.
اليوم، وبين ذكريات الألم وتحديات المستقبل، يتأمل السوريون ما يُسمّى بـ"اليوم المفصلي" الذي غيّر شكل البلاد وحدّد مسارها الجديد.
ذكريات اليوم الذي لم ينم فيه أحد
في لقاء مع أس بي أس عربي، استعاد الدكتور عاصم العلواني — طبيب الجراحة العامة وطب الأسرة ورئيس منظمة "أستراليون من أجل سوريا" في ولاية جنوب أستراليا — لحظات سقوط النظام، قائلاً:
"كانت أيام التحرير من سبعةٍ وعشرين إلى أحد عشر، ثم امتدت إلى الثامن عشر يوم دخول دمشق، لم نستطع النوم. الأخبار كانت تتوالى ساعةً بعد ساعة".يصف العلواني انتقال التحرير من الشمال نحو الجنوب، ومع سقوط كل مدينة "كان الفرح لا يوصف".
في صباح الثامن من الشهر، عندما وصلت قوات التحرير إلى دمشق، بكيتُ بشدة. ربما لا يفهم ذلك إلا من عاش ظلم هذا النظام
الدكتور عاصم العلواني — طبيب الجراحة العامة وطب الأسرة ورئيس منظمة "أستراليون من أجل سوريا" في ولاية جنوب أستراليا
ويعود العلواني إلى أحداث حماة عام 1982 التي قال إنها "خلفت نحو أربعين ألف قتيل"، وكيف بقي أثرها في ذاكرة السوريين حتى سقوط النظام.
عام أول… وإنجاز يعتبره السوريون الأكبر
يرى الدكتور العلواني أن أهم ما تحقق خلال السنة الأولى هو زوال عصر الخوف:
"أعظم إنجاز هو أن السوري أصبح قادراً على أن يتكلم ويزور وطنه دون خوف من الاعتقال… لأول مرة منذ عقود يشعر الناس أن القانون فوق الجميع".ويشير إلى أن التحديات ما تزال كبيرة، وعلى رأسها الحفاظ على النصر، استعادة الاقتصاد، وتكريس وحدة سوريا التي حاول النظام السابق، كما يقول، تمزيق نسيجها الاجتماعي عبر سنوات من الخطاب الطائفي.
ويؤكد:
"سوريا كانت دائماً واحدة… وستبقى كذلك".
الجاليات السورية في الخارج… دورٌ يتعاظم
يلعب السوريون في الاغتراب، لا سيما في أستراليا، دوراً متزايداً في المرحلة الجديدة.
فقد زار وفد من الجالية السورية الأسترالية دمشق في أيار/مايو الماضي للقاء عدد من الوزارات و"فهم الاحتياجات والإمكانات"، كما يقول العلواني.
ويضيف أن لهذه الزيارات أثراً سياسياً أيضاً، إذ ساهمت منظمات الجالية في جنوب أستراليا وسيدني وملبورن في "تعزيز التواصل مع الحكومة الأسترالية"، ما أدى حسب قوله إلى تعليق العقوبات وتسهيل مسار إعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
"حلم لم يكن متوقعاً"
الناشط الأسترالي–السوري خالد صطوف، أحد مؤسسي مجلس الجالية السورية في سيدني، وصف لحظة سقوط النظام بأنها "حلم لم يكن متوقعاً":
لم نتخيل أن ينهار بهذه السرعة… واكتمل المشهد حين استُبدلت القنابل بالورود التي أُلقيت على السكان
الناشط الأسترالي–السوري خالد صطوف
ويقول صطوف إن سوريا اليوم تتلمّس طريقها بعد "خمسة عقود من القبضة الحديدية"، ويصف المرحلة الحالية بأنها مرحلة صحوة وبناء شامل اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً في ظل انفتاح دولي واسع على دمشق وزيارات دبلوماسية غير مسبوقة.
الخوف من الطائفية… وامتحان الدولة الجديدة
وعن قلق السوريين من عودة التوترات الطائفية، يقول صطوف:
"صحيح سقط بشار الأسد، لكن جزءاً من منظومته لا يزال يحاول خلط الأوراق… هناك من يستفيد من الفوضى ويريد منع الاستقرار".ويشدد على أن الدولة تحاول نشر "رسالة المحبة والمساواة بين كل مكونات المجتمع"، لكنه يقر بأن التحدي كبير ويحتاج زمناً.
ملف العدالة الانتقالية… مطلب وطني مستعجل
يرى صطوف أن العدالة الانتقالية هي الملف الأهم الذي ينتظر السوريون تقدماً فيه:
"الناس تريد أن ترى العدالة على الأرض… أن تُفتح الملفات وأن يعرف كل ذي حقّ حقه".ويعتبر ذلك شرطاً أساسياً لإغلاق أبواب الفتنة ولبناء الثقة بين السوريين.
سوريا بعد عام… طريق طويل لكن الضوء واضح
عامٌ واحد فقط لم يكن كافياً لحلّ أزمات خمسين عاماً، لكنه — كما يرى ضيوفنا — كافٍ لإطلاق الأمل.
فالبلاد، رغم الجراح الواسعة، تدخل مرحلة جديدة يتشارك فيها السوريون داخل الوطن وخارجه محاولة بناء سوريا الحديثة على أسس العدالة والديمقراطية والقانون.