بينما يعيش جزءٌ كبيرٌ من أوروبا صيفًا لاهبًا لم تشهد مثله منذ عقود، تُسجل درجات الحرارة مستويات قياسية، وتتصاعد التحذيرات من خبراء البيئة والصحة. في هذه الأجواء الساخنة، لا تبدو موجات الحر المتكررة مجرد ظاهرة موسمية عابرة، بل إنذارًا عالميًا مناخيًا قد يكون الأخير قبل أن يفوت الأوان.
في الجهة الأخرى من الكرة الأرضية، اجتاحت الفيضانات ولاية تكساس الأميركية، مخلّفة أكثر من 80 قتيلًا وعشرات المفقودين، في مشهد بات يتكرر بوتيرة مقلقة من قارة إلى أخرى.
لكن ماذا عن أستراليا؟
هل ما نراه من حرائق غابات، جفاف، وفيضانات متكررة هو امتداد لذات الأزمة العالمية؟ أم أن لكل قارةٍ خصوصيتها المناخية؟ وهل ما نعيشه اليوم هو بالفعل بداية تحول مناخي لا رجعة فيه؟
في محاولة للإجابة عن هذه الأسئلة، أجرينا لقاءً خاصًا مع الدكتور حميد الخفاجي، الباحث والكاتب المتخصص في قضايا البيئة والسياسات المناخية، الذي يرى أننا دخلنا بالفعل في عصر "الواقع الكارثي" وليس مجرد مرحلة تحذيرات.
تغير عالمي.. بجذور قديمة
يؤكد الدكتور الخفاجي أن التغير المناخي ظاهرة شاملة، لا ترتبط بمنطقة دون أخرى. فقد بدأت معالمها منذ آلاف السنين، لكنها تفاقمت بشكل خطير بعد الثورة الصناعية، نتيجة الارتفاع الحاد في نسبة ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي.
"كلما ارتفعت نسبة ثاني أوكسيد الكربون أكثر، اقتربنا من مرحلة الانقراض الجماعي"، يقول الدكتورالخفاجي، مشيرًا إلى أن دول العالم كانت قد التقت في قمة ريو دي جانيرو عام 1992، واتفقت على خطوات جادة لمواجهة هذه الأزمة، لكن التنفيذ ظل متأخرًا عن وتيرة الكارثة.
أستراليا... في عين العاصفة
وعن أستراليا، يوضح أن آثار التغير المناخي باتت واضحة في السنوات الأخيرة، حيث عرفت البلاد مواسم حارقة من الحرائق والفيضانات والجفاف، نتيجة ارتفاع درجات الحرارة وانحباسها داخل الكرة الأرضية.
"نعم، نحن نشهد ما يحدث في أوروبا وأميركا، وربما بشكل مختلف من حيث التوقيت، لكن التأثير ذاته. والمقلق أن هذه الظواهر المناخية تحتاج سنوات طويلة لتتغير، حتى لو بدأنا التحرك الآن"، يضيف.
مسؤولية الدول الصناعية... وأصوات التشكيك
فيما يخص السياسات المناخية، يرى الدكتور الخفاجي أن الدول الصناعية – ومنها أستراليا – تتحمل جزءًا كبيرًا من المسؤولية التاريخية، بسبب انبعاثاتها العالية على مدى قرون. ومع ذلك، لا تزال بعض الأصوات تُقلّل من شأن التغير المناخي أو تنكره.
"التشكيك غالبًا ما يكون نتيجة جهل أو مصالح اقتصادية، والإعلام يجب أن يؤدي دورًا أكبر في مواجهة هذه الأصوات"، يؤكد الدكتور الخفاجي، لافتًا إلى أن الدول النامية ليست المسؤولة عن الأزمة، لكنها غالبًا من أكثر المتضررين بها.
الصحة في مهب المناخ
يذكر أن من الجانب الصحي، تشير التقارير الحديثة إلى أن موجات الحر لا تؤثر فقط على الجهاز التنفسي أو القلب، بل تمتد أيضًا إلى الصحة النفسية والعصبية، خصوصًا بين كبار السن والأطفال والمرضى.
هل هناك أمل؟
ورغم الصورة القاتمة، لا يغيب الأمل عن حديث الدكتور الخفاجي الذي يؤمن بقدرة البشر على التغيير، إذا ما توفرت الإرادة الحقيقية.
"نحتاج إلى تحرك على مستويين: الحكومات التي عليها أن تضع سياسات صارمة وسريعة، والأفراد الذين يمكنهم أن يُحدثوا فرقًا من خلال قراراتهم اليومية، سواء في استهلاك الطاقة، أو تقليل النفايات، أو دعم السياسات الخضراء".
وفي ختام المقابلة، يوجه الدكتور الخفاجي رسالة واضحة:
"الوقت لم ينفد تمامًا، لكنه يضيق بسرعة. كل خطوة نحو المناخ مسؤوليتنا جميعًا، فإما أن ننقذ كوكبنا الآن... أو نواجه مصيرًا لا نريد التفكير به."