مشوار إلى ألباني.. المدينة التي بدأت منها قصة ولاية غرب أستراليا

Southern Peaks - Albany

Southern Peaks mountain bike festival Albany Credit: Tourism WA

تقف مدينة ألباني Albany في أقصى جنوب ولاية غرب أستراليا مثل كتابٍ مفتوحٍ على المحيط الهندي. مدينة صغيرة، لكنها تحمل في طيّاتها بدايات الاستيطان الأوروبي في غرب البلاد، وذاكرة الحرب العالمية الأولى، وإرث شعب Menang Noongar الذي عاش على هذه الأرض قبل آلاف السنين. مزيجٌ يجمع بين التاريخ والبحر والطبيعة العاتية، ويمنح المدينة هوية مختلفة عن أي مكان آخر في أستراليا.


للاستماع إلى أحدث التقارير الصوتية والبودكاست، اضغطوا على الرابط التالي.

يُعد خليج King George Sound أحد أجمل المرافئ الطبيعية في جنوب القارة، ومنه بدأت أولى فصول الحكاية الأوروبية. ففي عام 1791، رسا المستكشف البريطاني جورج فانكوفر في المنطقة ودوّن أول وصفٍ أوروبي لها، قبل أن تصل سفينة HM Brig Amity عام 1826 بقيادة إدموند لوكير، لتؤسس أول مستوطنة بريطانية في غرب أستراليا، أي قبل تأسيس بيرث وفريمانتل بسنوات طويلة.
وبعد ست سنوات، أُطلقت على البلدة رسميًا تسمية "Albany"، لتصبح بوابةً تجارية وبحرية مهمة بحكم موقعها ومينائها العميق القادر على استقبال السفن الكبيرة.

إلا أنّ تاريخ ألباني لا يبدأ مع وصول الأوروبيين. فالمدينة كانت تُعرف باسم Kinjarling بلغة شعب Menang Noongar، وتعني “مكان المطر”. عاش السكان الأصليون هنا في علاقة وثيقة مع البحر والغابات والوديان، وما زالت روحهم الثقافية حاضرة حتى اليوم في أسماء الأماكن، وفي قصص الأرض، وفي الاحتفال السنوي بتاريخ وثقافة Noongar في المنطقة الجنوبية.

وتبرز مكانة ألباني في ذاكرة أستراليا الحديثة من خلال ارتباطها بمشهد مؤثر في تاريخ الحرب العالمية الأولى؛ ففي نوفمبر 1914، انطلقت من مينائها قافلة ANZAC الأولى نحو جاليبولي، وكانت ألباني آخر أرض أسترالية يراها الجنود قبل أن تختفي خلف الأفق.
ANZAC ALBANY CENTENARY SERVICE
Australian, New Zealand and Japanese navy vessels re-enact the departure of the fleet from Albany during the Albany Commemorative Convoy Event in Albany, Western Australia, Saturday, Nov. 1, 2014. The Albany Convoy Commemorative Event commemorates the 100th anniversary of the departure of the first convoy of ANZAC troops in World War I. (AAP Image/Dean Lewins) NO ARCHIVING Credit: AAPIMAGE
واليوم، يقدّم National Anzac Centre إطلالةً على الخليج، ويُعد واحدًا من أبرز المتاحف التفاعلية التي توثق قصص الجنود ورسائلهم وتجاربهم أثناء الحرب.

بعيدًا عن التاريخ، تستعرض الطبيعة في ألباني واحدة من أقوى عروضها. داخل Torndirrup National Park يقف مشهدان من أكثر معالم الساحل الجنوبي إثارة: The Gap، وهي فجوة صخرية تهدر فيها الأمواج بقوة مذهلة، وNatural Bridge، وهو قوس صخري تشكّل على مدى ملايين السنين. هنا، يقترب الزائر من المحيط الهندي بشكل مباشر، حيث يعلو صوت الأمواج على كل ما عداه.
The gap in Albany
The Gap Cliff side platform in Albany, Western Australia Source: Moment RF / John Crux Photography/Getty Images
وتُعد ألباني أيضًا محطة مهمة لمراقبة الحيتان، فقد كانت يومًا ما مركزًا لصيدها، قبل أن تتحول إلى مركز للحماية والبحث العلمي. بين مايو وأكتوبر، تقترب الحيتان الحدباء والحيتان الجنوبية اليمنى من الساحل، لتقدّم مشاهد طبيعية مذهلة، تجذب الزوار والباحثين من مختلف أنحاء أستراليا.
Australia Beached Whales
In this photo provided by the Department of Biodiversity, Conservation and Attractions, a rescuer tends to a long-finned pilot whale, Wednesday, July 26, 2023, after nearly 100 whales beached themselves at Cheynes Beach east of Albany, Australia. Volunteers worked frantically on a second day to save dozens of pilot whales that have stranded themselves but more than 50 have already died. (DBCA via AP) Credit: AP
أما قلب المدينة، فيحمل طابعًا أوروبيًا قديمًا: مبانٍ حجرية من القرن التاسع عشر، مخازن تحولت إلى معارض ومقاهٍ، وشوارع صغيرة تطل على واجهة بحرية هادئة. مدينة ليست كبيرة، لكنها مليئة بالتفاصيل والحكايات، وتُشعر الزائر بأن الزمن يتحرك فيها بوتيرةٍ أبطأ.
للاستماع إلى أحدث التقارير الصوتية والبودكاست، اضغط على الرابط التالي.

أكملوا الحوار على حساباتنا على فيسبوك SBSArabic24 ومنصة X وانستغرام.

اشتركوا في قناة SBS Arabic على يوتيوب لتشاهدوا أحدث القصص والأخبار الأسترالية.

spk_0

في أقصى جنوب ولاية غرب أستراليا، وعلى حافة محيط لا يعرف الهدوء، تقف مدينة تحمل في طياتها بداية قصة الغرب الأسترالي وذاكرة الحرب وصوت الشعوب الأولى، وأجمل المناظر البحرية على الإطلاق. إنها ألباني، مدينة تجمع بين التاريخ العميق والصخور العاتية والمحيط الواسع الذي لا يرحم.

spk_0

حلقة جديدة من مشوار، معي أنا ريان برهوم، ونحن اليوم في رحلة إلى مدينة تشبه المتحف المفتوح؛ مدينة تبدأ فيها الحكاية من البحر وتمتد عميقًا في الزمن.

spk_0

عندما تقترب من ألباني، أول ما يلفتك هو البحر؛ محيط هندي بأمواجه الداكنة يضرب الصخور الغرانيتية القديمة، كأنك تشاهد محيطًا يختبر صبر اليابسة منذ آلاف السنين. تقع المدينة على خليج كينغ جورج ساوند، أحد أجمل المرافئ الطبيعية في جنوب القارة. ومن هنا دخل الأوروبيون لأول مرة إلى غرب أستراليا قبل أن تؤسَّس بيرث بعشرات السنين.

spk_0

لكن قبل وصول السفن، كانت هذه الأرض تنتمي لشعب آخر. قبل أي أثر أوروبي كانت ألباني تُعرف بـ"كِنْجارلينغ" بلغة شعب ميغ نونغار، وتعني "مكان المطر". هنا كان الناس يعيشون مع البحر،

spk_0

يصطادون من خيراته، ويرسمون مساراتهم عبر الغابات والوديان الجنوبية. ثقافة هذا الشعب ليست مجرد تاريخ؛ إنها جزء حي من المكان… في الأسماء، في القصص، وفي علاقة الناس بالبحر والأرض.

spk_0

عام ألف وسبعمائة وواحد وتسعين، رسا القبطان جورج فانكوفر في الخليج ودوّن أول وصف أوروبي للمكان. لكن البداية الحقيقية جاءت لاحقًا. في الخامس والعشرين من كانون الأول/ديسمبر ألف وثمانمائة وستة وعشرين، وصلت سفينة "إيتش إم بريغ أميتي" بقيادة إدموند لوكير لتأسيس أول مستوطنة بريطانية في غرب أستراليا. وفي عام ألف وثمانمائة واثنين وثلاثين،

spk_0

أصبحت البلدة تُعرف رسميًا باسم ألباني. ومع مرور السنين، اكتسبت المدينة أهمية كبرى بفضل مينائها العميق، أول ميناء صالح للسفن الكبيرة في غرب البلاد، ما جعلها بوابة تجارية وبحرية لعقود طويلة.

spk_0

في تشرين الأول/نوفمبر ألف وتسعمائة وأربعة عشر، شهدت ألباني واحدًا من أهم المشاهد في تاريخ أستراليا ونيوزيلندا. من هنا، من هذا الخليج، غادرت قافلة أنزاك الأولى متجهة نحو حرب لم يكن أحد يعرف نهايتها — إلى غاليبولي.

spk_0

كانت ألباني هي آخر أرض أسترالية يراها الجنود قبل أن تختفي السواحل خلف الأفق. اليوم يقف "ناشيونال أنزاك سنتر" على مرتفع مطلّ على البحر؛ متحف حديث يروي قصص الجنود، الأسماء، الرسائل،

spk_0

واللحظات التي غيّرت تاريخ المنطقة. على بُعد دقائق من المدينة، داخل "تورنديرَب ناشونال بارك"، يقف مكان لن تنساه: "ذي غاب" — فجوة صخرية عملاقة تنزل فيها الأمواج بقوة مذهلة، ترتفع معها رذاذات الماء عشرات الأمتار، كأن الطبيعة تستعرض قوتها أمامك.

spk_0

وترتفع معها رذاذات الماء عشرات الأمتار، كأن الطبيعة تستعرض قوتها أمامك.

spk_0

وبالقرب منها "ناشورال بريدج"، قوس صخري طبيعي تشكّل عبر ملايين السنين. تتقدّم على منصّة معدنية معلّقة فوق المحيط، وتشعر فعلًا أنك في مواجهة مباشرة مع قوة الطبيعة.

spk_0

ألباني لها علاقة خاصة بالحيتان؛ كانت يومًا ما مركزًا لصيدها، واليوم تحولت إلى مركز لمراقبتها وحمايتها. من أيار/مايو إلى تشرين الأول/أكتوبر،

spk_0

تقترب الحيتان من الساحل؛ تظهر، تقفز، وتنفث الهواء في مشهد صعب أن تنساه. وما كان موقعًا للصيد أصبح اليوم منطقة للتعلم والحماية. في وسط ألباني ستجد مدينة صغيرة بهدوء أوروبي قديم:

spk_0

شوارع ضيقة، مبانٍ حجرية من القرن التاسع عشر، مخازن قديمة تحولت إلى مقاهٍ ومعارض، وواجهة بحرية تحمل روح مدينة ساحلية. مدينة ليست كبيرة لكنها مليئة بالحكايات.

spk_0

في نهاية اليوم، تقف على رأس منحدر يطل على المحيط الجنوبي. ترى الشمس وهي تغيب ببطء، وترى الأمواج وهي تضرب الصخور دون أن تتعب، فتفهم أن ألباني ليست مجرد مدينة؛ إنها ذاكرة، وبداية، ومشهد طبيعي ساحر. هذا كان مشوارنا إلى ألباني؛ مدينة تقف عند حافة القارة، لكنها في قلب الحكاية الأسترالية.

END OF TRANSCRIPT

شارك

تحديثات بالبريد الإلكتروني من أس بي أس عربي

.سجل بريدك الإلكتروني الآن لتصلك الأخبار من أس بي أس عربي باللغة العربية

باشتراكك في هذه الخدمة، أنت توافق على شروط الخدمة وسياسة الخصوصية الخاصة بـ "SBS" بما في ذلك تلقي تحديثات عبر البريد الإلكتروني من SBS

Download our apps
SBS Audio
SBS On Demand

Listen to our podcasts
Independent news and stories connecting you to life in Australia and Arabic-speaking Australians.
Personal journeys of Arab-Australian migrants.
Get the latest with our exclusive in-language podcasts on your favourite podcast apps.

Watch on SBS
Arabic Collection

Arabic Collection

Watch SBS On Demand