"المظاهر غير مهمة": من زفاف ألبانيزي البسيط، هل آن الأوان لإعادة تعريف الفرح؟

Prime Minister Anthony Albanese and Jodie Haydon during their wedding ceremony in Canberra, Saturday, November 29, 2025. (AAP Image/Mike Bowers, Pool) NO ARCHIVING Credit: Mike Bowers/AAP IMAGE
في حديقة المقر الرسمي لرئيس الوزراء في كانبيرا، احتفل أنتوني ألبانيزي بزفافه على جودي هايدن في حفل صغير ومفاجئ للأستراليين. أربعون ضيفاً فقط، كعكة من طبقتين، موسيقى اختارها العروسان، وخطابات قصيرة من الأهل والأصدقاء. زفاف بعيد عن البذخ، لكنه أثار فضولاً عالمياً، ليصبح رمزاً لنهج جديد في الاحتفال. ورغم أن متوسط تكلفة الزواج في أستراليا يقارب 36 ألف دولار، يفضّل كثير من الأزواج ما يُعرف بـMicro Wedding، حيث تُوجَّه الموارد لأولويات أهم كبداية حياة مستقرة أو شراء منزل. في المقابل، لا تزال حفلات الزفاف في العالم العربي —وحتى بين جالياتنا في أستراليا— حدثاً اجتماعياً ضخماً، تتداخل فيه العادات والمكانة الاجتماعية، وتتسع تكاليفه لتشمل المهر والمجوهرات والهدايا وضيافة مئات المدعوين. في هذا السياق، التقينا الكاتبة في مجال القيادة والمساعدة الذاتية ديما اسطنبولي التي طرحت سؤالاً جوهرياً: هل تُقاس السعادة بحجم الاحتفال أم بقرب القلوب؟
spk_0
أول رئيس وزراء أسترالي يتزوج وهو في هذا المنصب. نتحدث عن بساطة طوعية، حميمية مقصودة، بحضور العيلة. بس نقول عن أربعين شخصًا أو بتكون أكثر… مش أكثر من مئات الأشخاص.
spk_1
الأشخاص.
spk_0
شفنا هكذا بساطة، البعض شايفها أنها
spk_0
غريبة أو مش مألوفة لثقافتنا، وتحديدًا مش مألوفة لشخص بمقام أو بمنصب رئيس الوزراء.
spk_1
فلماذا ترى كل هذه البساطة؟ هل هي رسالة سياسية مفادها: أنا قريب من الشعب، ولن أقوم بحفل زفاف باذخ كما
spk_1
كان متوقعًا؟ الحفل كان صغيرًا وحميميًا وشخصيًا وعائليًا، ولكنه شغل مواقع التواصل الاجتماعي واستقطب أنظار العالم، وكان بدون مشاهير، بدون مدعوين من رؤساء، فقط العائلة.
spk_0
يعني أنا عم أسمعك… الجالية العربية.
spk_0
البساطة كثير الآن. دعنا نقول يا فارس إن متوسط تكلفة الزفاف في أستراليا يصل إلى ستة وثلاثين ألف دولار أسترالي. كثير من الأزواج اليوم يختارون الاحتفال البسيط. صار هناك شيء معروف بالأوساط اسمه "مايكرو وِدنج" يعني
spk_0
توفير وتقليص النفقات، ومن خلاله نحدد أولوياتنا: ما نبلّش بالدين، والدَّين ما يكون كبير، والناس اللي نحن عن جد بدنا إيّاهم يكونوا بفرحتنا.
spk_1
صحيح، وممكن بدل ما تكلف العروس، يستخدموا المبلغ لشراء منزل أول مثلاً.
spk_1
أو إذا حابين يروحوا برحلة طويلة حول العالم. ولكن على الجانب الآخر، بترا، في عالمنا العربي وحتى في جاليتنا هنا وجاليات أخرى… يعني مش فقط الجالية العربية. كثير جاليات يحبون الحفلات الضخمة. ما تكون مجرد احتفال، بل مناسبة اجتماعية كبرى تتقاطع فيها العادات مع المكانة
spk_1
الاجتماعية. اليوم كيف نقيس السعادة بحجم الحفل؟ هل البساطة الطوعية الاختيارية
spk_0
تدل على غِنى من نوع آخر وليس فقط اقتصاد؟ أديش اليوم الفروقات الثقافية تلعب دورًا بتقييمنا لهذا الفرح؟ وكيف إذا كان رئيس الوزراء…
spk_0
فارس، يساعدنا أن تنضم إلينا الكاتبة في مجال القيادة الذاتية والمحللة السلوكية المعتمدة ديما اسطنبولي. صباح الخير ديما.
spk_2
صباح النور ومساء النور. لأننا نحن كمجتمعات عربية، خصوصًا… كل شيء مضبوط.
spk_2
ليس رأيي الشخصي، لكن معقولة رأسها جيدة؟ ولا حتى على الفستان… من أين؟
spk_0
وعشاء العائلة أوقات يكون لأربعين شخصًا. يلا سوف نبدأ نفنّدهم نقطة نقطة معكِ يا ديما.
spk_1
أول شيء، أنت كمدربة حياة وتطلّين على هذا النوع من السلوكيات المجتمعية من زاوية مختلفة…
spk_1
كيف تفسّرين هذا الزفاف، وبالفعل لشخص في أرفع منصب حكومي في البلاد؟
spk_2
أوكي، اليوم ما عم نحكي سياسة، بس حتى الكل يفهم إنو عم نحكي عن ألبانيزي من جهة الإنسان. أول شيء بالنسبة إلي شفته أمل، لأنه هذا زواج ثانٍ.
spk_2
لما بنعمل زواجًا ثانيًا ومنعطيه هذا الرقي، نفسّر للمجتمع، خصوصًا الشباب، في ظل انتشار الطلاق… أننا نعطي رسالة التزام. ثاني شيء نعطي رسالة إنو
spk_2
ركّزوا على الأساس. ما بقى نركّز على الواجهة وعلى السوشيال ميديا. وإذا لاحظنا، ما حطّوا أي مظاهر مبالغ فيها ولا خضعوا لقيود اجتماعية عادةً الكل يركض تحتها.
spk_2
هذه واحدة. ثانيًا، اليوم عنا شباب ما بيقدروا يشتروا بيوت. الكلفة عالية. وأنا بعتقد إنو بزمن مثل هذا
spk_2
في رسالة معينة: نحنا بلد يمكن ما عنا رفاهية، خلّينا نركّز على المهم.
spk_2
جرّبوا تفكّروا كيف عم تعملوا خطواتكم خصوصًا بهيدا الموضوع. وكل ما نقول إنو المظاهر منا مهمة. وهيدي أصلاً أنا بلاقيا ميزة بالمجتمع الأسترالي: إنو المظاهر ولا مرة كانت هي الأساس.
spk_0
تعرفي؟ فتحتي نافذة على اختلاف الثقافات وتضارب الثقافات، أو أحيانًا نعيش صدمة ثقافية: "هذا عرس؟ لقطة… وردة… مش باقة؟" وهذه البساطة التي أحيانًا تكون صادمة.
spk_0
كيف تفسّري يا ديما الفروقات الاجتماعية الواضحة بين ظاهرة الزفاف البسيط بالدول الغربية، واليوم كأنو فرحنا ما يكمل
spk_0
إلا بشروط؟ وأنتِ تعرفي… أوقات تقولي لشخص: "فرجيني كيف تفرح… فرجيني كيف تحزن". يقول لكِ: "من أنتِ؟" خصوصًا أنني…
spk_2
أعيش في أستراليا، لكنني تربّيت في لبنان. وفي فرق واسع
spk_2
بين المجتمع الفردي والمجتمع الجماعي. وهذا لا نقول عنه إنه سلبي أو إيجابي. كل مجتمع يضيف لنا، والذكي هو الذي يقدر يدمج
spk_2
هذه مع تقاليدنا. يعني اليوم، عندما أروح على البلدان العربية، أوقات من قلبي أفرح عندما أرى أحدهم يحط الزينة ويحتفل… لأنو نحن لما نعزم العالم على بيتنا، حتى لو أعزم ثمانية أشخاص يضحكوا علي ولادي.
spk_2
فرق الأجيال كمان. كله هذا ليس لأنني لا أحب، بالعكس. يعني فيني أروح أطلب "ديليفري" ويكلفني رُبع السعر مثلاً، ولا هالعالم جايين لعندي على البيت. عرفتي؟ فهناك فرق بالتقاليد. السؤال اللي بطرحه:
spk_2
إذا أنا كشخص قادر، وعم بعمل هيدا الشيء لأني بحب أعمله، فهذا إله معنى…
spk_2
أما اللي منشوفه اليوم: كثير ناس يعملون أمورًا فقط لأنها تقاليد، ويريدون يعملوا "من قيمتهم" ومن كرامتهم… والعالم عنده. وهذا معه مصاري. لكن بنفس الوقت يصير في فرض اجتماعي…
spk_2
ومن منشأ عدم الأمان. "أنا موجود… أنا أعلى من الكل". وهون المشكلة الكبيرة بالمجتمعات: لما أعمل شيء فقط لأرضي المجتمع.
spk_2
وتقول…
spk_0
شيء مبسوطة… الدائرة الخارجية.
spk_1
صحيح. حتى يكون أصحاب العلاقة، ديما وبترا، العريس والعروس، ليس بالضرورة مبسوطين. الأب أو الأم… نحن جزء من هذا المجتمع. ديما، حكيتِ عن نقطة مهمة: نحن جايين من مجتمع ككل،
spk_1
مش كل واحد لحاله. هل نقدر فعليًا؟ يعني في ناس مضطرين يعملوا حفلة كبيرة لأننا ناس يعزّمونا، بدنا نعزمهم. ونحن بها الطبقة الاجتماعية صعب نغيرها. هل نقدر نتحرر من قيود المجتمع التي تفرض علينا أحيانًا خيارات أو تسلب منا خياراتنا الشخصية؟
spk_2
بدي أرجعكم لشغلي الأساسية: الشخصيات. هون نلاقي الفرق. أنا حتى في الزواج وفي كل التقاليد، كشخص ممكن يكون عندي شخصية تبزغ
spk_2
أو يكون follower يسمع شو الناس تقول. وشخص آخر يقول: لا، أنا بقدر أكسر هذه القيود. وهذا يؤثر ليس فقط على قرار الزواج. وباختصار لأن الموضوع مهم: الزواج هو اثنان اتفقوا، وأحيانًا يكونوا بشخصيات مختلفة، لكن "ماما قالت" أو "ماما قالت" تسيطر.
spk_2
وهون مجتمعاتنا فيها المسيطر…
spk_2
اللي يقول: أنا أحب أعمل هيك، ما بيشارك، ما بيحكي، يقرر ويمشي بغض النظر عن رأي الآخرين. وفي عندي اللي يحب يكون "على الموضة" وتلاقي بعرسه نكهة معينة. وفي اللي يحب الروتين، ما بده يغيّر. بيقول: هالعالم عم تعمل عرس كبير لأن عندها مصاري، أنا كمان.
spk_2
واليوم العالم صار مفتوح…
spk_0
وحتى رغم أنه عرسه الأول… خليني هون.
spk_0
تعرفي ديما، لما الاثنين يكونوا بلحظة تحضير… للأسف أحيانًا تكون أسوأ فترة بحياتهم. وكثير من الأشخاص ينتهي الإعداد للزواج عندهم بالانفصال. لأن الأهل يقولون: "أنا بدي أفرح فيكم… خلوني أفرح فيكم على طريقتي". وهون العروس والعريس عندهم نظرة مختلفة لفرحهم ولحبهم.
spk_0
ويقولون: لا. وكيف يقولون لا؟ لأنهم أيضًا يريدون أهلم يفرحوا.
spk_2
هم يقولون لا… وهون نرجع لأساس العلاقة بينهم وبين أهلهم، لأن كل شيء بنربّيه من هني صغار. وأولادنا يكبروا
spk_2
يا نفتح لهم مجال يقولوا رأيهم مثل ما هو ويعارضونا، أو رح يكونوا عم يبسطونا ويزعلوا حالهم. وهون أهمية التربية. وإذا أحد يسمعنا ويقول: "أنا مش قادر"، أقول له: الاحترام مهم. لما أحط الموضوع أمام أهلي
spk_2
لكن بطريقة محترمة. أحيانًا الأهل لا يستطيعون أن يسمعوا. وفي مجتمعاتنا صعب نقول "لا" للأهل. فيني أكتبها على ورقة أو رسالة: "أنا بحاجة أحكي، لأنني بهذا الوقت آخذ قرار مهم". زوجي ليس مقتنع أو زوجتي ليست مقتنعة. أنا مضطر ألقى حلًا بنصف الطريق.
spk_2
طريقة التواصل مهمة جدًا. والواحد إذا بدو يغير، بيقدر يغير. بس لازم نعرف إنه التغيير المجتمعي لا يحصل بيوم وليلة. مش رح نفيق ونلاقي العالم كله يقول: "أنا بدي أعمل رأيي". لا. اليوم هذه فرصة، فتحها ألبانيزي، إنه
spk_2
نعطي المجتمع نماذج لأشخاص معروفين، ونضعهم أمامنا ونستعمل قصتهم لنقول لأهلنا: "طيب شوفوا، هذا الشخص عمل عرس بسيط". حتى لو المجتمع تأثر بطريقة معينة.
spk_1
مبسوطين كنتِ معنا اليوم. زاوية جديدة.
spk_0
شكرًا من القلب للكاتبة في مجال القيادة الذاتية والمحللة السلوكية المعتمدة ديما اسطنبولي. ومن ديما… سؤال لكم: فرحكم أين ترسمونه؟ مثلما أنتم تريدون أم مثلما تريج العيلة الكبيرة؟



