مشوار إلى سوفرين هيل: عودة إلى القرن التاسع عشر حيث بدأ "هيستيريا الذهب" في أستراليا

Australia_Ballarat

Unidentified people, buildings and stage coach on Sovereign Hill, rebuilt gold digger village and preferred tourist attraction, Ballarat, Victoria. Credit: fotofritz16/Getty Images

في ولاية فيكتوريا، وعلى بُعد ساعة ونصف من ملبورن، تقع بلدة بالارات، التي كانت يومًا ما مسرحًا لهوس الذهب الذي غيّر وجه أستراليا إلى الأبد. في منتصف القرن التاسع عشر، بدأ الحلم من هنا، عندما اكتُشف الذهب عام 1851 لتتحوّل هذه الأرض الهادئة إلى مقصد للمغامرين والمنقّبين من كل أنحاء العالم، في ما عُرف آنذاك بـ “هستيريا الذهب الأسترالية”.


للاستماع إلى أحدث التقارير الصوتية والبودكاست، اضغط على الرابط التالي.

اليوم، يستعيد متحف Sovereign Hill هذا التاريخ بكل تفاصيله، لا كقصة تُروى، بل كحياة تُعاش. عند دخولك المكان، تشتمّ رائحة الخبز الطازج من المخبز القديم، وتسمع صدى حوافر الخيول على الطرق الترابية. في الشوارع، رجال ونساء بأزياء القرن التاسع عشر يبيعون، يكتبون، ويعملون كما لو أن الزمن لم يمضِ.
يأخذك المشهد إلى شارع Main Street حيث تكتمل الصورة: ورشة حدادة تتناثر منها شرارات الحديد، محلّ صائغ يعرض الذهب والأوبال، وأطفال يجرّبون التنقيب في مجرى ماء ضحل ضمن منطقة Gold Panning Area، بحثًا عن لمعة صغيرة تختصر أحلام جيلٍ بأكمله.

تتعمّق المغامرة حين تهبط إلى منجم Red Hill في جولةٍ تحت الأرض. هناك، وسط الصدى والرطوبة، تسمع قصص عمّالٍ قضوا أيامهم في ظلامٍ دامس، يلاحقون حبيبة الذهب المراوغة. إنها تجربة تجعل التاريخ ينبض من جديد.

لكن بالارات ليست مجرد بلدة تعدين. إنها مهد واحدة من أولى الحركات الديمقراطية في أستراليا، تمرد يوريكا Eureka Rebellion عام 1854، حين تمرّد عمّال المناجم دفاعًا عن حقوقهم. من تلك اللحظة وُلدت روح العدالة والمساواة التي ستشكّل لاحقًا هوية البلاد الحديثة.

وفي المساء، يتحوّل المكان إلى عرضٍ حيّ للذاكرة، عبر تجربة AURA Show التي تستخدم الضوء والصوت لتروي قصة الذهب وصراع الإنسان والطبيعة والطموح.
يفتح المتحف أبوابه من الثلاثاء إلى الأحد بين العاشرة صباحًا والخامسة مساءً، وتبلغ تذكرة الدخول نحو 52 دولارًا أستراليًا للبالغين. ويمكن الوصول إلى المكان بالسيارة أو القطار من ملبورن، في رحلة قصيرة تمنحك فرصة العودة قرنًا ونصفًا إلى الوراء.

اليوم، يجذب Sovereign Hill أكثر من 450 ألف زائر سنويًا، ويساهم بشكل ملموس في اقتصاد فيكتوريا، محافظًا على دوره كمتحف حيّ يوصل الماضي بالحاضر.

للاستماع إلى أحدث التقارير الصوتية والبودكاست، اضغط على الرابط التالي.

أكملوا الحوار على حساباتنا على فيسبوك SBSArabic24 ومنصة X وانستغرام.

اشتركوا في قناة SBS Arabic على يوتيوب لتشاهدوا أحدث القصص والأخبار الأسترالية.

spk_0

على بُعد ساعةٍ ونصف فقط من مدينة ملبورن، تبدأ رحلةٌ إلى الماضي، إلى زمنٍ كان فيه كلُّ حلمٍ يبدأ بلمعةٍ صغيرةٍ في التراب.

spk_0

مشوارٌ جديدٌ معي أنا ريان برهوم، إلى مدينة بالارات، وتحديدًا إلى متحفٍ حيٍّ يُعيدنا إلى عام ألفٍ وثمانمائةٍ وواحدٍ وخمسين، إلى سوفرين هيل، حيث وُلدت "هستيريا الذهب" في أستراليا.

spk_0

حين تصل إلى البوابة، أوّلُ ما يلفتُ نظرك هو الدخانُ المتصاعد من مداخن الطوب، ورائحةُ الخبزِ الطازج من مخبزٍ قديم. الشوارعُ مرصوفةٌ بالتراب، والناسُ يرتدون أزياءَ القرن التاسع عشر: نساءٌ بفساتين طويلةٍ، ورجالٌ بقبّعاتٍ جلديةٍ، ووجوهُهم مغبّرةٌ كأنهم خرجوا للتوِّ من المنجم.

spk_0

تسيرُ بضعَ خطواتٍ فتجدُ نفسك في شارع "مين ستريت" الذي يُشكّل قلبَ سوفرين هيل النابض بالحياة. على اليمين محلٌّ للصياغة يعرضُ قطعَ الأوبال والذهب، وعلى اليسار حدّادٌ يطرقُ الحديدَ والشررُ يتناثرُ حوله. بالقرب منك أطفالٌ يركضون بحماسٍ نحو مجرىً مائيٍّ صغيرٍ يُسمّى منطقةَ البحث عن الذهب.

spk_0

هناك، حيث يمكن لأيّ زائرٍ أن يُجرّب حظَّه بالبحث عن الذهب. تمسكُ المقلاةَ المعدنية، وتغمرُها بالماء، تُقلبُ الطين، ثمّ تلمحُ بريقًا صغيرًا في القاع… لحظةٌ لا تُنسى، تُشعرك بأنّك أحدُ منقّبي القرن التاسع عشر حقًّا.

spk_0

لكنّ المغامرةَ لا تتوقّفُ عند السطح. تنزلُ عبر ممرٍّ ضيّقٍ إلى منجم "ريد هيل". هناك تبدأُ جولةً تحت الأرض في أنفاقٍ صخريةٍ مضاءةٍ بمصابيحَ خافتة. دليلُ الجولةِ يروي قصصَ عمّالِ المناجم: كيف كانوا يقضون ساعاتٍ طويلةً في ظلامٍ دامسٍ مقابلَ أملٍ ضئيلٍ بحبيبةِ ذهبٍ واحدة. بين الصدى والرطوبة، تشعرُ بثقلِ التاريخ فعلًا.

spk_0

فوق الأرض، تمتدُّ الحياةُ كما كانت قبل أكثرَ من مئةٍ وسبعين عامًا. متجرُ الشموع، دارُ الطباعة القديمة، مدرسةٌ صغيرةٌ فيها مقاعدُ خشبيةٌ وسبّورةٌ سوداء، ومبنى البريد حيث يمكنك أن تكتبَ بطاقةً وتختمَها بختمٍ أصلي. كلُّ شيءٍ هنا حيٌّ ومتحرّك، لا تماثيلَ ولا زجاجًا عازلًا، بل أشخاصٌ يعيشون شخصياتِهم بكلِّ تفاصيلها.

spk_0

وفي المساء، عندما يهبطُ الظلامُ على المدينة، يتحوّلُ المكانُ إلى مسرحٍ مفتوحٍ لعرضٍ بصريٍّ مذهل. إنّه عرضُ "أُورا" للصوتِ والضوء، تجربةٌ مدّتُها ساعةٌ ونصف، تحكي قصةَ اكتشافِ الذهب وصعودِ بالارات، من حلمِ الثراءِ إلى تمرّد "يوريكا ريبيلين" الشهير، أولِ حركةِ احتجاجٍ ديمقراطيةٍ في تاريخِ أستراليا.

spk_0

بين الأضواءِ والمؤثرات، تعيشُ تلك الأحداث وكأنك أحدُ شهودها.

spk_0

عظمةُ هذا المتحفِ الحيّ لا تقتصرُ على الماضي فقط، فاليومَ يُعَدّ سوفرين هيل من أبرزِ المعالمِ السياحيةِ في ولاية فيكتوريا، وواحدًا من أهمِّ المتاحفِ المفتوحةِ في العالم. بلدةُ بالارات تجذبُ ملايينَ الزوّار سنويًا.

spk_0

ويُقدّر أنَّ المتحفَ يستقبلُ حوالي أربعمائةٍ وخمسينَ ألفَ زائرٍ كلَّ عامٍ، ويساهمُ بملايينِ الدولاراتِ في الاقتصادِ المحلي. الزيارةُ هنا لا تحتاجُ إلى ترتيباتٍ معقّدة؛ فبوابةُ الدخولِ مفتوحةٌ من الساعةِ العاشرةِ صباحًا حتى الخامسةِ مساءً، من الثلاثاءِ إلى الأحد، ويومُ الاثنين مخصّصٌ للمجموعاتِ المدرسيةِ فقط.

spk_0

تكلفةُ الدخولِ العامةِ للبالغين تبدأُ من اثنين وخمسينَ فاصلَ خمسينَ دولارًا أستراليًّا تقريبًا. الوصولُ سهلٌ بواسطةِ السيارةِ أو الحافلةِ من مدينةِ ملبورن، أو عبر القطارِ إلى بالارات، ثمّ التنقّلِ المحليِّ إلى المتحف.

spk_0

في الليل، يخفتُ صوتُ المدينة، وتبقى الأنوارُ تتلألأ على واجهاتِ المتاجرِ الخشبية. تنظرُ حولك وتشعرُ أنَّ الماضي لم يرحلْ بعد، بل ما زالَ هنا، في رائحةِ التراب، في ضحكاتِ الزوّار، وفي قصصِ المنقّبين الذين جعلوا من حفنةِ ترابٍ بدايةَ حلمٍ. مشوارٌ إلى سوفرين هيل ليس زيارةً لمتحفٍ فحسب، بل رحلةٌ في الزمن.

spk_0

إلى لحظةٍ صاغت ملامحَ أستراليا الحديثة، من شمسِ بالارات الذهبية إلى أعماقِ مناجمِها المظلمة. هذا المكانُ يُذكّرك أنَّ الذهبَ الحقيقي ليس ما يُستخرجُ من الأرض، بل ما يتركُه الإنسانُ فيها من حكاياتٍ لا تموت.

END OF TRANSCRIPT

شارك

تحديثات بالبريد الإلكتروني من أس بي أس عربي

.سجل بريدك الإلكتروني الآن لتصلك الأخبار من أس بي أس عربي باللغة العربية

باشتراكك في هذه الخدمة، أنت توافق على شروط الخدمة وسياسة الخصوصية الخاصة بـ "SBS" بما في ذلك تلقي تحديثات عبر البريد الإلكتروني من SBS

Download our apps
SBS Audio
SBS On Demand

Listen to our podcasts
Independent news and stories connecting you to life in Australia and Arabic-speaking Australians.
Personal journeys of Arab-Australian migrants.
Get the latest with our exclusive in-language podcasts on your favourite podcast apps.

Watch on SBS
Arabic Collection

Arabic Collection

Watch SBS On Demand