ارتبط ظهور القمر الدموي وخسوفه الكبير بحكايات وأساطير تناقلتها الشعوب عبر قرون طويلة.
وفي البلدان العربية كان يطلب من النساء الحوامل البقاء في البيوت أثناء الخسوف خوفا من أن "يلعن" القمر الجنين فيولد مشوّها أو فيه مس من الجنون ، وبعضهن كن يضعن أواني ماء على أسطح المنازل ليغتسلن بها بعد الخسوف طردا للسحر.
أما الحكاية الشعبية فكانت تقول إن حوتة ضخمة تطارد القمر وتبتلعه، فيتحوّل لونه إلى الأحمر.
عندها يخرج الناس إلى الشوارع يصرخون ويطرقون على الأواني النحاسية حتى تُرعب الحوتة وتترك القمر حرا ، وفي العراق ما زالت الأهزوجة يرددها الاطفال :
"يا حوته يا منحوته، هدي قمرنا العالي… هذا قمرنا الغالي."
وفي مصر، نُسجت أسطورة أخرى تقول إن بنات الحور يحجبن ضوء القمر بجمالهن، فيرتفع الهتاف: "يا بنات الجنة، سيبوا القمر يتهنّى."
وهكذا ارتبط الخسوف بالأساطير والمخاوف الشعبية، حتى إن الفيلسوف الإغريقي أرسطو كان يعتقد أن القمر يُسبب الجنون والصرع. ومنذ ذلك الحين، ظل القمر حاضرا في الوعي البشري كقوة غامضة تؤثر في العاطفة والسلوك.
خسوف القمر في الموروث الشعبي
- في العراق :
يا حوته يا منحوته، هدي قمرنا العالي .. هذا قمرنا الغالي
- وفي مصر :
يا بنات الجنة، سيبوا القمر يتهنّى
لكن، هل لذلك أساس علمي؟ هل يمكن أن يؤثر القمر الدموي فعلا على صحتنا النفسية أو حالتنا المزاجية؟
بين العلم الذي ينفي وجود تأثير فيزيائي مباشر، وبين المعتقدات الشعبية التي تُصر على وجود أثر عميق في العواطف والسلوك.. تظل الأسئلة مفتوحة.

الباحث في علم الباراسيكولوجي د. علاء العوادي
علاء العوادي : الخسوف مشهد مهيب يعكس دقة النظام الكوني والحضارات القديمة ربطته برسائل إلهية
وقال الدكتور علاء العوادي إن "الحضارات القديمة ربطت الخسوف برسائل إلهية أو أحداث كونية كبرى"، لكنه أوضح أن "العلم لا يرى فيه خطراً مباشراً على البشر، بل يعتبره مشهداً مهيباً يعكس دقة النظام الكوني".
وأشار إلى أن القمر، بصفته محركاً أساسياً للمد والجزر، قد يزيد تأثيره قليلاً أثناء الخسوف، لكنه ذكر أن "الفرق غالباً ما يكون محدوداً مقارنة بالمد العادي".
ولفت إلى أن الكائنات البحرية مثل الأسماك والقشريات تتأثر بدورات اكتمال القمر، فتتجه نحو السواحل.
وعن التأثير النفسي، أكد العوادي أن الضوء الطبيعي يتراجع أثناء الخسوف، ما يغيّر نشاط بعض الطيور والحشرات الليلية.
وشرح أن "الناس قد يشعرون بتوتر أو قلق أو رهبة، وهو ما يفسره البعض بطاقة روحية، فيما ربطته حضارات قديمة بالكوارث والزلازل والفيضانات".
وأوضح الباحث أن "النوم أيضاً قد يتأثر بسبب تغيّر شدة الإضاءة، ما يؤدي إلى اضطراب بسيط لدى بعض الأشخاص".
ومضى إلى القول إن الساعة البيولوجية للإنسان حساسة لمثل هذه التغييرات، تماماً كما يحدث في السفر بين مناطق زمنية مختلفة، حيث يحتاج الجسم لوقت كي يتأقلم.
واستعاد العوادي صورة السينما والدراما التي جسّدت القمر المكتمل أو الخسوف كخلفية للأحداث المرعبة، لكنه خلص إلى القول إن "الأمر في النهاية يتعلق بالموروث الشعبي أكثر من كونه حقيقة علمية".
العوادي : علم الباراسايكولوجي لا يثبت تأثيرا مباشرا للقمر في سلوك البشر لكنه لا ينفي وجود طاقة تحيط بالإنسان
وأضاف أن "علم الباراسايكولوجي لا يثبت تأثيراً مباشراً للقمر في سلوك البشر، لكنه لا ينفي وجود طاقة تحيط بالإنسان يمكن أن تكون إيجابية أو سلبية بحسب استعداده النفسي".
واشار إلى أن الاعتقاد السائد بأن أجسام البشر المؤلفة بمعظمها من الماء تتأثر كما البحار بالمد والجزر، هو تفسير شعبي يجد صداه في علم الفلك والزوُدياك، حيث تؤثر حركة الكواكب كلها وليس القمر وحده على الأبراج وحياة الأفراد.
ولفت أيضا إلى أن "الخوف من القمر الدموي يمكن أن يشبه ما يُعرف بالاكتئاب الموسمي الناتج عن تغيّر الضوء والفصول"، مؤكداً أن "الجانب النفسي هو الأكثر حضوراً في هذه الظاهرة".
وخلص الى التأكيد أن "الحل يكمن في تحويل الخسوف من مصدر قلق إلى فرصة للتأمل، ورؤية عظمة الخالق، وبثّ الطاقة الإيجابية في حياتنا اليومية".