في إحدى زوايا ملتقى “روز وود” العريق بولاية فيكتوريا، لم تكن الألوان والموسيقى والتراث وحدها حاضرة هذا العام، بل كانت الحروف العربية أيضًا تتراقص على الورق بأنامل أسترالية تحاول اكتشاف لغتنا للمرة الأولى. هناك، كان الفنان المصري المهاجر طارق عيسى ينثر سحر الشرق، ويحوّل الحروف إلى نبضٍ بصريّ يأسر العيون والقلوب معًا.
منذ 27 عامًا يحتضن ملتقى “روز وود” الفنون بمختلف ألوانها، لكنّ دورة عام 2025 كانت مختلفة. فقد اختار المنظمون أن يفتحوا نافذة على “فنون الشرق الأوسط”، فكان طارق عيسى أحد من حملوا مسؤولية تمثيل هذا العالم الساحر إلى الجمهور الأسترالي، إلى جانب فنانة سورية وفرقة تركية موسيقية. كانت مهمته أن يُعرّف الحاضرين على جماليات الخط العربي ؛ ذلك الفن الذي جمع عبر العصور بين الروح والتاريخ والذوق الرفيع.
يقول عيسى عن تجربته:
قدّمت ورش عمل كثيرة من قبل، لكن هذه المرة كانت مختلفة تمامًا. كنت أمام جمهور لا يتحدث العربية ولا يعرف عنها شيئًا. تساءلت في البداية: هل سيجدون في الحرف العربي ما يلامس أرواحهم؟
لكنّ الإجابة جاءت أسرع مما تخيّل. فقد امتلأت قاعته بالحضور، وارتسمت الدهشة على الوجوه. كانت ورشته الوحيدة التي فُتحت لها قائمة انتظار. جلس الأستراليون — صغارًا وكبارًا — يرسمون حروفًا عربية لأول مرة، يبتسمون وهم يحاولون نطقها وكتابتها، ويكتشفون أن الجمال قد يسكن في منحنى حرفٍ أو في نقطةٍ تُوضع في مكانها الصحيح.

الخطاط طارق عيسى يقف أمام لوحته في المتحف الإسلامي الأسترالي
إحدى المشاركات، وهي سيدة أسترالية، طلبت أن تكتب اسم زوج ابنتها العربي بخطٍ جميل على بطاقة عيد ميلاده. قالت له بعد انتهاء الورشة: “أردت أن أفاجئه، وأن أكتب بالعربية كما لم يتوقع.” تلك اللحظة الصغيرة، كما يصفها الفنان، كانت بالنسبة له دليلاً على أن الفن لا يحتاج ترجمة، فقط قلبًا مفتوحًا وجمالًا صادقًا.
عمل فني بالخط الكوفي من إبداع طارق عيسى
وبين الحرف واللون، بين الشرق والغرب، يواصل طارق عيسى رحلته في رسم المعنى بالجمال، مؤمنًا بأن الفن هو أرقى أشكال الحوار الإنساني. ففي كل ورشة يقيمها، لا يُعلّم الناس كيف يكتبون بالعربية فحسب، بل كيف يقرأون الجمال بلغةٍ جديدة.
استمعوا لتفاصيل هذه المشاركة الفاعلة في ولاية فيكتوريا بصوت خبير فنون الخط العربي طارق عيسى بالضغط على الزر الصوتي في الأعلى.