استطاع هذا الشاب الفلسطيني أن يصنع لنفسه هوية جديدة في واحدة من أقسى الرياضات القتالية، ليصبح بطل ولاية فيكتوريا للوزن المتوسط في الكيك بوكسينغ رغم الإصابات والظروف والغربة.
بداية غير مخطّطة… وطريق لم يكن في الحسبان
حين وطئت قدماه مطار أستراليا قبل نحو ست سنوات، اختلطت مشاعر الفرح بالخوف. بلد جديد، لغة جديدة، وكل شيء مجهول. يقول جهاد إنه لم يتخيّل يوماً أن يجد نفسه يعيش وحيداً بعد أن اضطر والده للعودة إلى غزة فور انتهاء دراسته، بينما بقي هو ليكمل طريقه.
كان لا يزال في مرحلة عمرية مبكرة، وفي وقت كان يحتاج فيه لحضور العائلة، وجد نفسه فجأة في مواجهة مسؤوليات مبكرة: الدراسة، والعمل، وتأمين رسوم الجامعة باعتباره طالباً دولياً. تلك المرحلة، كما يقول، كانت اللحظة التي أدرك فيها أنه مضطر لأن يكبر أسرع مما توقع.
غزة… الرابط الذي لا ينقطع
رغم السنوات والمسافات، ظلّ حنين جهاد إلى غزة حاضراً في كل تفاصيل حياته. يتحدث عن ذكريات الطفولة، وعن العائلة التي تركها هناك، خصوصًا خلال السنوات الثلاث الأخيرة التي شهدت حربًا مستمرة أثقلت قلبه وأثرت على يومياته.
كان يقول لنفسه دائماً: “لازم أضلّ واقف، لازم أكمل الطريق.”

من علوم الصحة إلى الأمن السيبراني… ثم إلى الحلبة
مسيرة جهاد الأكاديمية لم تكن أقلّ تنوّعاً من مسيرته الرياضية. بدأ في دراسة العلوم الصحية والتمريض، ثم اتجه إلى الأمن السيبراني بهدف ضمان مستقبل مهني يساعده على الاستقرار والحصول على الإقامة الدائمة.
يقول بابتسامة: "ما في قاسم مشترك بين كل هالمجالات… أنا بحب آخذ من كل بستان زهرة."
لكن المفاجأة كانت في اتجاهه نحو رياضة لم يمارسها من قبل.
من صهوة الخيل إلى رنين القفازات
في غزة، كان جهاد فارساً وحقق بطولات في قفز الحواجز. لكن في أستراليا أدرك أن الاستمرار في الفروسية مكلف وصعب. كان يبحث عن شيء يناسب شخصيته، رياضة تشبه طريقه في الحياة: مليئة بالتحديات، وقاسية، ولا تُمنح نتائجها بسهولة.
هناك وجد الكيك بوكسينغ.
أحبّ الرياضة لأنها تتطلب ذكاء وسرعة وقرارات حاسمة، ولأنها مساحة يستطيع فيها تمثيل نفسه وعائلته وبلده… وأستراليا أيضًا التي احتضنته.

إصابة لم تُوقفه… وإرادة صنعت الفارق
فوزه ببطولة فيكتوريا لم يكن مجرد تتويج رياضي؛ كان حدثاً حمله إلى واجهة الجالية العربية والفلسطينية. وجد دعماً كبيراً جعله يشعر بمسؤولية أكبر.
وبعد اللقب، وضع هدفاً واضحاً: بطولة أستراليا، ثم الكومنولث، ثم العالم.
في مباراته الأخيرة، كُسرت يده خلال الجولة الثانية بعد سقوط غير متوقع. شعر بالألم، لكنه اتخذ قراره في لحظة واحدة: "مستحيل أوقف… لازم أكمل."
أكمل القتال بيد مكسورة، وانتصر. كان يفكر بعائلته، وبوعد قطعه لهم منذ بداياته وحقق اللقب.





