في زمن أصبحت فيه وسائل التواصل الاجتماعي مرجعا للعديد من الشباب، تتصاعد التحذيرات من مخاطر الاعتماد على محتوى غير طبي في قضايا حساسة مثل الصحة الإنجابية ووسائل منع الحمل والبشرة والتجميل .
دراسة تكشف : 100 فيديو عن تحديد النسل على تيك توك.. أغلبها مضلل
وحللت دراسة حديثة صادرة عن جامعة لاتروب في ملبورن محتوى أكثر من 100 مقطع فيديو على "تيك توك" حول تحديد النسل، لتكشف عن مستوى عال من المعلومات المضللة، ونسبة كبيرة من المؤثرين الذين يقدمون نصائح مبنية على تجارب شخصية أو معتقدات، بدلا من الأدلة الطبية الموثوقة.
وتقول ميغان بوجن، المؤلفة المشاركة للتقرير والمحاضرة في الصحة العامة أن هناك فرصة أمام ممارسي الصحة العامة للانخراط في المنصات الرقمية، ونشر محتوى دقيق وموثوق، مضيفةً أن "من المهم أن يدرك الشباب أن كثيراً من المعلومات عبر الإنترنت قد تكون غير مكتملة أو متحيزة".
لكنها تضيف أن مقاطع الفيديو غالبا ما تُغفل قيودا أساسية مثل الدافع الشخصي، تعاون الشركاء، والفروقات البيولوجية.
وتشير إلى أن الإفراط في الترويج لموثوقية بعض الطرق الطبيعية لتحديد النسل قد يُضلل شريحة واسعة من الشباب.
ميغان بوجن: غياب الصوت الطبي يفتح أزمة ثقة مع الشباب
وتؤكد ميغان بوجن أن من المهم أن يدرك الشباب أن كثيرا من المعلومات على الإنترنت قد تكون غير مكتملة أو متحيزة، داعيةً إلى التفكير دائما بمصدر هذه المعلومات، وما إذا كانت مدعومة بأدلة أو موارد إضافية يمكن الرجوع إليها.
ولفتت إلى أن الإفراط في الترويج لطرق طبيعية غير مضمونة لتحديد النسل قد يضلل شريحة واسعة من المستخدمين، مشددة على أن الحل يكمن في إشراك أصوات موثوقة قادرة على الوصول للشباب بلغة بسيطة وموضوعية.
التقرير اثار اسئلة عديدة ابرزها كان هل ما نشهده اليوم من انتشار واسع للمعلومات الطبية المضللة عبر "تيك توك" ووسائل التواصل الاجتماعي ينذر بأزمة ثقة بين الشباب والمؤسسات الصحية؟ وهل يمكن لهذه الظاهرة أن تؤثر على الصحة العامة ومستقبل الاستشارة الطبية التقليدية ؟
وقال طبيب الصحة العامة د. مصطفى البغدادي لـ"أس بي أس عربي" إن تجاهل المشورة الطبية المعتمدة "قد يقود إلى تفاقم الأمراض أو مضاعفات خطيرة"، مبيناً أن "الاعتماد على نصائح غير مجربة يمثل خطراً مباشراً على الصحة الإنجابية وصحة الأم والجنين على حد سواء".
البغدادي: تجاهل العلاج الطبي المبني على الأدلة يقود إلى مضاعفات خطيرة
واضاف أن "المريض عندما يترك مرضه من دون علاج طبي مثبت، فإن حالته تتفاقم غالباً، لأن المرض في مراحله الأولى يكون قابلاً للعلاج، بينما التأخير نتيجة اتباع نصائح غير علمية قد يقود إلى مضاعفات خطيرة".
وأوضح أن "الاستشارات الطبية عبر تيك توك لا تأخذ بعين الاعتبار خصوصية كل حالة، مثل التاريخ المرضي، الفروقات البيولوجية، أو حتى الظروف الاجتماعية للمريض، وهذا ما يجعلها وصفات عامة قد تضر أكثر مما تنفع".
وبيّن أن "الحمل على سبيل المثال يحتاج إلى متابعة دقيقة من قبل الأطباء أو عيادات الأمومة، وإذا اعتمدت المرأة الحامل على نصائح عشوائية من الإنترنت فقد يعرضها ذلك هي والجنين لمضاعفات تهدد الحياة".
البغدادي : انتشار الطب البديل ليس ظاهرة جديدة لكنه اليوم يملك منصة هائلة عبر وسائل التواصل
ومضى إلى القول إن "انتشار الطب البديل ليس ظاهرة جديدة، لكنه اليوم يملك منصة هائلة عبر وسائل التواصل، ما يمنح المؤثرين غير المتخصصين تأثيراً غير مسبوق ومنصة تصل إلى مئات الآلاف، بل الملايين، ما ضاعف خطورة هذه النصائح"، محذراً من أن "هذا قد يخلق فجوة ثقة بين الشباب والمؤسسات الصحية".
ورأى أن التجارب الفاشلة التي يرويها المرضى بأنفسهم قد تكون أكثر تأثيراً من كلام الأطباء، لكنه نبه في الوقت نفسه إلى أن "الصوت الطبي المؤسس على بحوث علمية يظل الركيزة الأساسية لحماية المجتمع".
ولفت إلى أن "العلاج المعتمد في المستشفيات يسمى Evidence-Based Medicine أي الطب المبني على الأدلة، لأنه يخضع لاختبارات وتجارب سريرية، بينما العلاجات الأخرى غالباً لا تستند إلى أي دليل علمي، ومع ذلك يتم الترويج لها على أنها ناجعة".
وانتقد بعض الأطباء الذين ينجرفون إلى تقديم نصائح عبر الإنترنت من دون الاستناد إلى بحوث أو دراسات، قائلا "حتى الطبيب إذا تحدث بلا دليل علمي يصبح خطيراً، لأن كلامه قد يُضلل المرضى ويدفعهم لتجربة طرق غير مجربة".
البغدادي: استشارة الطبيب المرخّص ضمانة… والتجارب العشوائية مقامرة بالصحة
ورأى أن "الأصوات الأكثر تأثيراً أحياناً تكون أصوات المرضى أنفسهم حين يعترفون بفشل هذه التجارب، لكن ذلك لا يغني عن الحاجة الملحة لوجود صوت طبي واضح، مبني على البحث العلمي، وقادر على توجيه الشباب نحو الخيارات الصحيحة".
ونبّه إلى أن "غياب الثقة بين الشباب والأطباء قد يتحول إلى أزمة عامة إذا لم تبادر المؤسسات الصحية إلى الوجود على نفس المنصات التي يتواجد فيها الجيل الجديد".
وخلص البغدادي الى القول إن "أفضل وسيلة للشباب هي استشارة الأطباء المرخّصين، واتباع النصائح المعتمدة من جهات رسمية، لأن البديل قد يكون خسائر صحية لا يمكن تعويضها".
وختم مؤكداً ان "المجرب أفضل من غير المجرب، والطب المبني على الأدلة هو الضمانة الوحيدة لحماية صحتنا وصحة أبنائنا".
وكانت شركة تيك توك رفضت التعليق على تقرير لاتروب عندما اتصلت بها SBS News.
وفيما يؤكد تقرير لاتروب على اهمية طلب المشورة الطبية الموثوقة بشان التشخصيات فأنها تدعو لسؤال الطبيب الخاص عن مدى مصداقية الافكار المنشرورة على الانترنيت وموثوقيتها، وطلب الأدلة ، وكذلك الإرشادات السريرية
يمكنكم الاستماع للتقرير في التدوين الصوتي أعلاه.
هل أعجبكم المقال؟ استمعوا لبرنامج "أستراليا اليوم" من الاثنين إلى الجمعة من الساعة الثالثة بعد الظهر إلى السادسة مساءً بتوقيت الساحل الشرقي لأستراليا عبر الراديو الرقمي وتطبيق Radio SBS المتاح مجاناً على أبل وأندرويد.