يعود الجدل من جديد حول مستقبل العمل في أستراليا ، وهذه المرة، تقوده ولاية فيكتوريا بخطوة غير مسبوقة : عنوانها خطة حكومية لتقنين حق العمل من المنزل لمدة يومين على الأقل في الأسبوع، وتحويله من "طلب" إلى "حق" قانوني، في القطاعين العام والخاص.
رئيسة الحكومة جاسينتا آلان لا تخفي نيتها "خوض المعركة" مع أرباب العمل الذين يرفضون التخلي عن ثقافة المكاتب، وتؤكد أن التشريع المرتقب هو دفاع عن التوازن، والكرامة، ومشاركة النساء في سوق العمل.
وستعيد الخطوةٌ التي اعتُبرت مفصلية تعريف ثقافة العمل، فيما اثارت جدلاً واسعاً بين مؤيدين يرون فيها تعزيزاً للمرونة والإنتاجية، ومعارضين يحذّرون من آثارها على قطاعات حيوية كالمواصلات والضيافة والخدمات الاجتماعية .

بشرى فرانسيس، المديرة التنفيذية لـ ENDEAVOR INSTITUTE لتطوير مهارات العمل واللغة
وأضافت أن "القرار سيؤثر بشكل مباشر على القطاع الخاص، مبينة أن بعض الصناعات ستتجاوب مع الفكرة، خصوصا قطاعات المكاتب مثل المالية والتكنولوجيا، في حين ستواجه صناعات أخرى، مثل الضيافة والرعاية الصحية والتجزئة، صعوبة في التكيّف مع العمل عن بُعد".
وأشارت فرانسيس إلى أن "من أبرز الآثار الإيجابية المحتملة، قدرة الشركات على جذب الكفاءات ورفع معدلات الاحتفاظ بالموظفين، لا سيما الأمهات ومقدّمي الرعاية"، مضيفة أن هذا النوع من المرونة "يمنح الشركات ميزة تنافسية في سوق العمل".
كما أوضحت أن "خفض التكاليف التشغيلية يُعد من المكاسب الأخرى، إذ يمكن للشركات تقليص مساحات المكاتب وخفض نفقات الإيجار والخدمات".
بشرى فرانسيس : على الحكومة ان تتجنب فرض القانون بشكل إلزامي
ومضت فرانسيس إلى القول إنه من الضروري "أن تتجنب الحكومة فرض هذا القانون بشكل إلزامي شامل"، داعية إلى تشريع "حق طلب" العمل المرن، بما يتماشى مع قانون العمل الفيدرالي، ويسمح بالتفاوض بين الموظف وصاحب العمل.
وأكدت أهمية وضع معايير واضحة لـ"تحديد الوظائف المؤهلة لهذا النمط من العمل، مثل تلك المرتبطة بالمجالات التقنية والمكتبية"، مع تحديد دقيق للمصطلحات مثل "الرفض المعقول" و"مبررات العمل".
وخلصت إلى القول إن "التجربة يجب أن تُطبق تدريجياً وبمراقبة دقيقة لتقييم الأثر على الإنتاجية والصحة النفسية والاقتصاد، لتفادي أي عواقب غير مقصودة".
من جهتها، قالت ليلى علوش، الرئيسة التنفيذية لمنظمة الخدمات الاجتماعية في فيكتوريا VASS، إن "العمل من المكتب يبقى الخيار الأفضل للموظفين في قطاع الخدمات الاجتماعية"، موضحة أن "التواصل المباشر يظل جوهريا لفهم الحالات النفسية والاجتماعية بدقة".
وأوضحت علوش أن طبيعة عملهم تتطلب التفاعل المباشر مع المستفيدين، وخاصة في حالات الطوارئ النفسية والعقلية، مشيرة إلى أن "غياب الموظفين يومين في الأسبوع قد ينعكس سلباً على جودة الخدمة".
ونبّهت إلى أن "تطبيق هذا التشريع بصيغته الحالية قد يُشكل عبئاً على الجمعيات غير الربحية، التي لا تملك الموارد المالية لتجهيز الموظفين للعمل من المنزل بشكل دائم، كما حدث خلال جائحة كورونا".
ليلى علوش : العمل من المكتب يعزز روح الفريق
وأضافت أن "العمل من المكتب يُعزز روح الفريق، ويُساهم في تقوية العلاقات بين الموظفين"، مشددة على أن "التفاعل اليومي لا يُعوّض".
وأشارت إلى أن بعض الموظفين، خصوصا أولئك الذين لديهم أطفال أو ظروف صحية، قد يحتاجون إلى مرونة، مؤكدة أن "ذلك ممكن ولكن ليس من خلال تشريع إلزامي شامل".
واوضحت أن العديد من المنازل "لا تُوفر بيئة عمل مناسبة من حيث الخصوصية أو السرية"، لافتتة الى ذلك "يُهدد خصوصية المعلومات في حالات الدعم الاجتماعي والنفسي".
وختمت مؤكدة أن "وجود مكاتب آمنة ومجهزة هو الأساس في بيئة العمل الاجتماعي"، وأن "العمل من المنزل يجب أن يظل خياراً استثنائياً وليس قاعدة عامة".
واستخدمت رئيسة حكومة فيكتوريا، جاسينتا آلان، منصة مؤتمر حزب العمال في الولاية يوم السبت للإعلان عن مقترح، من شأنه إذا أقره البرلمان أن يجعل فيكتوريا أول ولاية في البلاد تقنن حق العمل عن بُعد.
وأثارت هذه السياسة غضب عدد لا يحصى من هيئات الصناعة والشركات الصغيرة التي وصفت هذه الخطوة بأنها تجاوز للحدود وانها ستؤثر بشدة على نماذج أعمالها وسط أزمة تكلفة المعيشة.
وقالت رئيسة حكومة فيكتوريا، جاسينتا آلان، أمام أعضاء حزب العمال، إنه في حال كان من الممكن أداء الوظيفة "بشكل معقول" من المنزل، فسيُمنح الموظفون حقاً قانونياً للعمل عن بُعد ليومين على الأقل في الأسبوع.
ويمهد الإعلان الطريق لنقاش طويل في الفترة التي تسبق انتخابات الولاية في نوفمبر 2026 .
وأشارت آلان إلى أن العمل من المنزل يحظى بشعبية واسعة، مؤكدة أنه يساهم في تخفيف الأعباء المالية عن العائلات، ويقلّل من الازدحام المروري، ويُعزّز المشاركة في سوق العمل، لاسيما بين النساء اللواتي لديهن أطفال، ومقدّمي الرعاية، والأشخاص ذوي الإعاقة.
يمكنكم الاستماع للتقرير في التدوين الصوتي أعلاه.