أنت والقانون: الطفلة التي عاشت 42 يومًا وغيّرت وجه العدالة في استراليا، ما هو مشروع قانون الطفلة بريا؟

SBS GREEK

Source: AAP

كلّ يومٍ، يُولد في أستراليا نحو ستة أطفال أمواتًا. ستّ لحظات فقدٍ تُخلف صمتًا موجعًا وقلوبًا مكلومة. من رحم هذا الألم وُلد مشروع قانون الطفلة بريا (Baby Priya’s Bill)، خطوة إنسانية تهدف إلى منح الوالدين الحق في الحداد بكرامة، بعيدًا عن الوحدة والضغط النفسي. كيف يختلف هذا المشروع عن إجازة الوالدين الممولة من الحكومة؟ وما الجديد الذي يضيفه قانون العمل العادل لحماية الأهل في مواجهة هذه المأساة؟


هذه المعلومات ذات طبيعة عامة ولا يمكن اعتبارها نصيحة قانونية. نظراً لأن الظروف الفردية قد تختلف من شخص لآخر، يجب عليكم استشارة خبير مستقل إذا لزم الأمر.


أُدخل إلى البرلمان الفيدرالي مشروع قانون جديد باسم قانون بيبي بريا Baby Priya’s Bill ، ليمنح الآباء والأمهات الذين فقدوا أطفالهم حديثي الولادة بعض اليقين المالي والاجتماعي في أصعب لحظات حياتهم.


الطفلة بريا، التي توفيت وهي تبلغ 42 يومًا فقط، كانت السبب وراء هذا القانون. بعد وفاتها، واجهت والدتها صعوبة كبيرة في التوفيق بين حزنها العميق وبين العودة إلى العمل، لتدرك العائلة الحاجة الملحّة لحماية الوالدين في مثل هذه الظروف.

ينص مقترح القانون على أنه لا يجوز لأصحاب العمل إلغاء إجازة الوالدين الممولة من صاحب العمل إذا توفي الطفل أو وُلد ميتًا، إلا إذا اتفق الطرفان على خلاف ذلك. ويعطي القانون مساحة للآباء والأمهات للحداد، بعيدًا عن أي ضغوط عملية، مع الحفاظ على حق التفاوض مع أصحاب العمل.


قانون الطفلة بريا: تشريع يولد من رحم الفقد

وفقًا لبيانات هيئة الإحصاء الأسترالية ووزارة الصحة الأسترالية، فإن حوالي 6 أطفال يُولدون موتى يوميًا في أستراليا، أي ما يعادل تقريبًا 2,200 ولادة ميتة سنويًا ما يختزل مأساة إنسانية عميقة تمسّ جوهر الأسرة والمجتمع. . خلف كل رقمٍ قصةُ فقدٍ، ووراء كل مأساةٍ أبوان يواجهان الحزن والوحدة دون سندٍ كافٍ من القانون أو مكان العمل. ومن هنا، وُلد مشروع قانون جديد في البرلمان الفيدرالي الأسترالي تحت اسم "قانون الطفلة بريا" (Baby Priya’s Bill 2025)، ليُعيد الاعتبار إلى حقّ الوالدين في الحداد، ويحميهما من الانكسار النفسي والاجتماعي الذي يعقب فقدان طفل حديث الولادة.

من الألم إلى التشريع
توقفت المحامية أحلام حجازي في بودكاست "أنت والقانون"، خبيرة قانون الهجرة والأحوال الشخصية، عند مفصلية هذا القانون الذي لم يأتِ من فراغ، بل من تجربة مؤلمة عاشتها أسرة فقدت طفلتها بريا بعد 42 يومًا فقط من ولادتها. تقول حجازي:

"بعد وفاة بريا، وجدت والدتها نفسها مضطرة للعودة إلى العمل خلال فترة وجيزة، رغم عمق حزنها. هذا الواقع كشف فجوة قانونية مؤلمة
القانون يمنح إجازة للوالدين فقط في حال كان الطفل حيًّا، لكنه لا يعترف بحقّ الحداد عند فقدانه

من هذا الوعي بالمعاناة وُلدت فكرة القانون الجديد، الذي يسدّ ثغرة طالما أرهقت الأُسر، ويُقرّ رسميًا بحقّ الوالدين في الاحتفاظ بإجازتهما الممولة حتى بعد وفاة الطفل أو ولادته ميتًا.

توضح حجازي أن مشروع قانون الطفلة بريا ينصّ بوضوح على أنّه لا يجوز لأصحاب العمل إلغاء إجازة الوالدين الممولة من جهة العمل في حال وفاة الطفل أو ولادته ميتًا، إلا إذا تمّ الاتفاق على خلاف ذلك بين الطرفين. وتضيف:

"القانون يمنح الأهل الوقت والمساحة ليعيشوا حزنهم بكرامة، دون أن يضطروا للتفاوض أو التوسّل لمديريهم في لحظة وجعهم. إنه اعتراف إنساني بأن فقدان الطفل لا يقلّ أهمية عن ولادته."

وتشير إلى أنّ هذا التعديل لم يُضف عبئًا ماليًا على الدولة، لأنّه لا يوسّع نطاق الإجازة الحكومية المدفوعة، بل يضمن فقط استمرار الحقّ في الإجازة نفسها حتى في حال الفقد.

بين الإنسانية وحقوق العمل

تؤكّد حجازي أنّ القانون الجديد يوازن بين حقوق الأهل وأصحاب العمل، قائلةً:

"المشرّع راعى أن تكون هناك مرونة، بحيث يمكن للأهل الاتفاق مع صاحب العمل على العودة المبكرة أو العمل الجزئي من المنزل، إذا رغبوا في ذلك"،

لكن في حال عدم وجود تفاهم، فإنّ الحقّ القانوني بالإجازة يصبح واجبًا على صاحب العمل احترامه

وترى أنّ هذه الخطوة تعبّر عن نضجٍ في الوعي القانوني والاجتماعي، لأنّها تضع الإنسان قبل الإنتاج، وتُذكّر بأنّ المؤسسات تُبنى على قيم الرحمة بقدر ما تُبنى على الكفاءة.

البعد الإنساني والاجتماعي للتشريع

تستعيد حجازي لحظات النقاش البرلماني التي رافقت طرح المشروع، وتقول:

"كان المشهد مؤثرًا للغاية. جميع الأطياف السياسية وقفت موحّدة خلف القانون، لأنّ الموقف تجاوز الانتماءات الحزبية. كانت الطفلة بريا رمزًا إنسانيًا، وصوتًا لكل أمٍّ وأبٍ فقدا طفلهما."

وتضيف أنّ تحويل المأساة إلى تشريع هو من أسمى أشكال التغيير الاجتماعي:

"كثيرًا ما تتحوّل الفاجعة الشخصية إلى قوانين تحفظ المجتمع. تمامًا كما حدث بعد حوادث السير المروّعة أو جرائم الإهمال، ها نحن اليوم أمام تجربة تذكّرنا بأنّ التشريع يمكن أن يكون وجهًا آخر للرحمة."

حين يصبح القانون مرآةً للمجتمع

تشير حجازي إلى أنّ تسمية القانون باسم الطفلة "بريا" تحمل رسالة رمزية بالغة الأثر:

"حين يُربط القانون باسم طفلٍ رحل، يصبح أكثر من مجرد نصّ قانوني. يتحوّل إلى ذكرى حيّة، وإلى دعوةٍ مفتوحة للوعي والرحمة. نحن لا نُشرّع فقط من أجل الحالة الفردية، بل من أجل كل أسرة يمكن أن تمرّ بالمأساة نفسها."

وتتابع:

"القانون هو مرآة المجتمع، وإذا كان المجتمع واعيًا وإنسانيًا، فلا بدّ أن يعكس ذلك في تشريعاته. هذه الخطوة تقول لكل أمٍّ ثكلى: إنّ ألمك ليس منسيًا، وإنّ حقّك محفوظ في القانون."

وعن كيفية تطبيق القانون ومحاسبة من يخالفه، تشرح حجازي:

"إذا رفض صاحب العمل الاعتراف بحقّ الإجازة أو حاول الضغط على الموظف للعودة المبكرة، يمكن اللجوء إلى هيئة العمل العادل أو القضاء المختص. هناك آليات واضحة للمساءلة، ويمكن فرض غرامات على صاحب العمل المخالف."

وتضيف بأسف:

"من المؤلم أن يُجبر أحد الأهل على خوض معركة قانونية وهو في ذروة حزنه، لذلك نأمل أن يكون هذا التشريع رادعًا كافيًا لتجنّب مثل هذه المواجهات."

في ختام حديثها، عبّرت المحامية أحلام حجازي عن أملها في أن يكون هذا القانون بداية لمرحلةٍ جديدة من الوعي والرحمة في بيئة العمل، قائلةً:

ما نريده ليس فقط نصًّا قانونيًا، بل ثقافة تحترم الإنسان في لحظات ضعفه. فالقانون لا يغيّر المجتمع وحده، بل الوعي الذي يولده هو ما يصنع الفارق الحقيقي

وختمت بعبارةٍ مؤثرة:

"الطفلة بريا رحلت، لكن صوتها بقي. لقد جعلتنا نفكر، ودفعتنا لأن نكون مجتمعًا أكثر احتواءً ورحمة."

هذا وقالت وزيرة التوظيف والعلاقات في مكان العمل، أماندا ريشورث:

لا ينبغي أن يواجه الوالدين عدم اليقين بشأن استحقاقات إجازتهم في وقت حزنهم. يجب أن يكون لديهم الوقت والمساحة للحداد دون ضغوط إضافية

كيف تتحوّل المآسي الشخصية إلى تشريعاتٍ تحمل أسماء أصحابها في القانون الأسترالي، فتخلّد ذكراهم وتُوقظ ضمير المجتمع؟

الإجابة في الملف الصوتيّ أعلاه.

هذه المعلومات ذات طبيعة عامة ولا يمكن اعتبارها نصيحة قانونية. نظراً لأن الظروف الفردية قد تختلف من شخص لآخر، يجب عليكم استشارة خبير مستقل إذا لزم الأمر.


للاستماع إلى أحدث التقارير الصوتية والبودكاست، اضغطوا على الرابط التالي.

هل أعجبكم المقال؟ استمعوا لبرنامج "Good Morning Australia" من الاثنين إلى الجمعة من الساعة السادسة إلى التاسعة صباحا بتوقيت الساحل الشرقي لأستراليا عبر الراديو الرقمي وتطبيق SBS Audio المتاح مجاناً على أبل و أندرويد  وعلى SBS On Demand.

أكملوا الحوار على حساباتنا على فيسبوك وانستغرام.



 

شارك

تحديثات بالبريد الإلكتروني من أس بي أس عربي

.سجل بريدك الإلكتروني الآن لتصلك الأخبار من أس بي أس عربي باللغة العربية

باشتراكك في هذه الخدمة، أنت توافق على شروط الخدمة وسياسة الخصوصية الخاصة بـ "SBS" بما في ذلك تلقي تحديثات عبر البريد الإلكتروني من SBS

Download our apps
SBS Audio
SBS On Demand

Listen to our podcasts
Independent news and stories connecting you to life in Australia and Arabic-speaking Australians.
Personal journeys of Arab-Australian migrants.
Get the latest with our exclusive in-language podcasts on your favourite podcast apps.

Watch on SBS
Arabic Collection

Arabic Collection

Watch SBS On Demand