في قلب التحولات الكبرى التي يشهدها سوق العقارات الأسترالي، تبرز ظاهرة السكن متعدد الأجيال كحل عملي وواقعي لمواجهة ارتفاع أسعار المنازل وتراجع فرص التملك.
في مشهدٌ مألوف بات يتكرر مؤخرًا في المنازل الأسترالية؛ أبناء وبنات يمدّدون إقامتهم في بيت العائلة، وأحفاد يعيشون مع الجد والجدة تحت سقف واحد، فيما تتسع المنازل وتُعاد هندستها لتستوعب أجيالاً متلاحقة يجمعها المكان ويشدها رابط القرابة.
أسباب اقتصادية واجتماعية
يرى الخبير العقاري يوسف مرتضى، أن لهذه الظاهرة أسباباً متعددة؛ في مقدمتها أزمة السكن وارتفاع تكاليف الإيجار والشراء، ما يجعل مشاركة المساحات وتوزيع الموارد وسيلة لتخفيف العبء المالي. لكنها ليست مجرد معادلة اقتصادية، بل أيضاً اجتماعية؛ إذ يتيح هذا النمط من السكن رعاية كبار السن، ومساندة الجيل الأصغر، وبناء شبكة تكافل يومية تعيد للبيت بعضاً من دفء الماضي.
تحديات معمارية جديدة
لكن الواقع الجديد يفرض تحديات معمارية معقدة؛ فالمنازل بحاجة إلى تصميم يوازن بين الخصوصية والعيش المشترك. ينصح خبراء البناء بضرورة تخصيص مداخل فرعية، وغرف وحمامات مستقلة، مع مراعاة متطلبات كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة، إلى جانب مساحات كبيرة مشتركة مثل المطابخ وغرف المعيشة التي تعزز الروابط العائلية. كما يُفضل أن يكون التصميم قابلاً للتعديل المستقبلي ليستوعب تغيّرات احتياجات العائلة بمرور الوقت.

الخبير العقاري والمالي يوسف مرتضى
صعوبات المشترين الجدد
من زاوية السوق، تبدو الصورة أكثر صعوبة للمشترين الجدد. فبحسب تقارير مصرفية، يحتاج الشاب الأسترالي من 5 إلى 9 سنوات لتجميع دفعة أولى توازي 20% من سعر منزل متوسط. ومع ذلك، يلجأ كثيرون إلى برامج الدعم الحكومية، وضمانات العائلة، أو حلول تمويل مبتكرة للتغلب على هذه العقبة.
انكماش الضواحي الميسورة
المعضلة الكبرى تتضح في الأرقام: لم يتبق سوى 73 ضاحية في المدن الكبرى يقل متوسط أسعار المنازل فيها عن 600 ألف دولار أسترالي، بعدما كان العدد 160 ضاحية قبل عام واحد فقط. هذا الانكماش دفع المشترين إلى البحث عن "الجيوب المخفية" داخل الضواحي الفاخرة، أو الانتقال إلى مناطق أبعد بحثاً عن توازن بين السعر والجودة.
مؤشرات السوق والمزادات
ورغم هذه التحديات، تُظهر معدلات البيع في المزادات مؤشراً إيجابياً على أن السوق لم يدخل حالة ركود تام، بل ما زال يحتفظ بنبضه مدفوعاً بالمنافسة. وهنا يبرز ما يسميه الخبراء "التحول الذكي": أي البحث عن منزل صغير في شارع جيد، استغلال برامج الدعم، التفكير في مشاريع السكن المشترك أو متعدد الأجيال، والنظر إلى النمو المستقبلي للضواحي لا إلى أسعارها الحالية فقط.
في نهاية المطاف، يبدو أن البيت الأسترالي لم يعد مجرد أربعة جدران وسقف، بل بات مرآة تعكس صراع الأجيال مع الغلاء، ومختبراً حيّاً لإيجاد حلول مبتكرة تجمع بين الحكمة الاقتصادية وروح العائلة.
تنويه: نود أن ننوه للقراء أن هذه المعلومات هي من باب الاسترشاد فقط، وفي حال الرغبة للاستزادة تتعلق بحالة خاصة يرجى التوجه للمختص.
استمعوا لتفاصل أكثر بصوت الخبير العقاري يوسف مرتضى بالضغط على التدوين الصوتي في الأعلى.